قال الطبري: (وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام ممن كان منه في شركه هذه الذنوب، فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام فاستفتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، يعلمهم أن اللَّه قابلٌ توبة من تاب منهم). اهـ ثم ساق الحديثين.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا صلة له بالنزول.
قال أبو العباس القرطبي: (ظاهر هذا أن هذه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس كذلك؛ لأن الترمذي قد روى هذا الحديث وقال فيه: وتلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) بدل فأنزل اللَّه وظاهره: أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ بعد ذكر هذا الحديث ما قد كان أُنزل منها، على أن الآية تضمنت ما ذكره في حديثه بحكم عمومها) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن قول القرطبي صحيح ويؤيده أمران:
الأول: أن السورة مكية عند جمهور العلماء، والشرك كان واسعاً في الناس ذلك الوقت، وهذا يوافق قول ابن عبَّاسٍ: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا... الحديث.
فبين الحديث وسياق الآيات قدر من التطابق والمماثلة.
أما حديث ابن مسعود فليس كذلك لأنه حصر القتل في الولد خشية الطعام وحصر الزنا بحليلة الجار، وهذا الحصر لا يوافق العموم في الآية.
الثاني: أنه جاء في حديث ابن مسعود: (ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وبيان ذلك:
أن يقال: إن القرآن إما أن ينزل ابتداءً أو على سبب وليس ثمةَ قسم ثالث اسمه نزول القرآن لتصديق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينطق عن اللَّه،