الآية مكية تعين أن هذا الدخان الذي هو عذاب للمشركين لا يصيب المؤمنين لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فتعين أن المؤمنين يوم هذا الدخان غير قاطنين بدار الشرك، فهذا الدخان قد حصل بعد الهجرة لا محالة، وتعين أنه قد حصل قبل أن يسلم المشركون الذين بمكة وما حولها فيتعين أنه حصل قبل فتح مكة أو يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال.
والأصح أن هذا الدخان عُني به ما أصاب المشركين من سني القحط بمكة بعد هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، والأصح في ذلك حديث عبد اللَّه بن مسعود في صحيح البخاري ثم ساق الحديث حتى قال: وعلى هذه الرواية يكون قوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) تمثيلاً لهيئة ما يراه الجائعون من شبه الغشاوة على أبصارهم حين ينظرون في الجو بهيئة الدخان النازل من الأفق) اهـ بتصرف.
ومنهم من اختار أن الدخان لم يأتِ بعد وأنه من الآيات المنتظرة كابن كثير والسعدي.
قال ابن كثير: (قال ابن جرير: ثم ساق الإسناد إلى عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذات يوم فقال ما نمتُ الليلة حتى أصبحت قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمتُ حتى أصبحت) وهكذا رواه ابن أبي حاتم، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حبر الأمة وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن. قال الله تبارك وتعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) أي بيّن واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسر به ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: (يَغْشَى النَّاسَ) أي يتغشاهم ويعميهم، ولو كان


الصفحة التالية
Icon