أما الحافظ ابن حجر فإنه لما ذكر بعض الآثار عن الصحابة والتابعين في عدم حصول آية الدخان وفي أسانيد بعضها ضعف قال: (لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلاً) اهـ.
وإذا أردنا أن نختصر حجج الفريقين فإننا نقول إن الذين احتجوا بحديث ابن مسعود استدلوا بدليلين: الأول: أن الله قال في سياق الآيات: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) وعذاب الآخرة لا يكشف.
الثاني: أن سياق الآيات في مخاطبة المشركين لقوله تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)،
وأما الذين ذهبوا إلى أن الدخان من الآيات المنتظرة فاستدلوا بما يلي:
أولاً: أن هذا اختيار أكثر الصحابة والتابعين.
ثانياً: أن الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان تدل على أن الدخان منتظر.
ثالثاً: أن هذا هو ظاهر القرآن لقوله (بِدُخَانٍ مُبِينٍ).
وسأناقش الأقوال مستعيناً باللَّه تعالى فأقول:
أولاً: أن هذا العذاب لو كان في الآخرة فإنه لا يكشف فدل على أنه في الدنيا، وهذا صحيح أن عذاب الآخرة لا يكشف لكن من قال إن الدخان في الآخرة؟ النصوص تدل على خلاف هذا وستأتي إن شاء اللَّه.
وبناء على ما تقدم فالخطأ في النتيجة مبني على الخطأ في المقدمة.
ثانياً: أن سياق الآيات في مخاطبة المشركين وهذا حق لا إشكال فيه ولا يلزم من كون الآيات في سياق مخاطبتهم أن يفسر الدخان بما ذكره ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بل غاية ما في الأمر أن الآيات تخاطبهم وتهددهم بعذاب الله سواءً أكان في الدنيا أو في الآخرة أو فيما بين ذلك، أما تحديد زمنه فلا يستفاد من مجرد السياق بل تحدده دلائل وقرائن أخر.
أما من ذهب إلى أن الدخان منتظر فاستدلوا بما يلي:


الصفحة التالية
Icon