ثالثاً: أن هذا هو ظاهر القرآن لأن اللَّه وصف الدخان بأنه مبين، وعلى قول ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وفرق بين البيِّن الواضح، والخيال.
فإن قيل: ما الجواب عن قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ)؟
فالجواب: أن ابن كثير أجاب بجوابين:
الأول: (أننا لو كشفنا العذاب لعدتم لما كنتم فيه من الكفر) وهذا مدفوع بأن اللَّه أخبر أنه سيكشف العذاب ثم يعودون، ومقتضى قوله: أن الله لن يكشفه عنهم لأنه لو كشفه عادوا.
الثاني: (أننا مؤخرو العذاب قليلاً بعد انعقاد أسبابه) وهذا مدفوع بأن اللَّه أخبر عن مجيء العذاب وأنه يغشى الناس حتى يقال هذا عذاب أليم، ومقتضى قول ابن كثير أن العذاب يرجأُ وإن انعقدت أسبابه.
أما جواب السعدي عن هذه الآية فهي أنها في قريش خاصة بينما المراد بقوله: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) إنما هو يوم القيامة فهذا قول بعيد لا يسعفه سياق القرآن؛ لأن المراد بقوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا) هو الدخان المبين؛ لأن اللَّه وصفه بقوله: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) فإذا كان المراد بالعذاب في الآيتين هو الدخان فكيف تكون الأولى يوم القيامة، والثانية في قريش؟
فإن قال قائل: ما الصواب إذن في معنى الآية؟
فالجواب: أن جملة الآيات يدور حديثها على علامة من علامات الساعة الكبرى التي تسبقها وهو الدخان الذي دلت على مجيئه أحاديث صحيحة لا مطعن فيها. ففي حديث حذيفة الغفاري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر منها الدخان) وهذا نص في أن الدخان يسبق يوم القيامة.
أما قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) فقد قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله -: (فيجوز انكشاف الدخان كما تنكشف فتن الدجال، ويأجوج وما جوج). اهـ.
وأما قوله: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) فيوم البطشة هو


الصفحة التالية
Icon