قال الطبري: (وذُكر أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه مما سأذكره إن شاء اللَّه تعالى). اهـ. ثم ذكر الروايات.
أما ابن العربي فقد ذكر بعض الأسباب ثم جعل آخرها حديث أسامة بن زيد بدل حديث أنس بن مالك ثم قال: (أصح الروايات الأخيرة والآية تقتضي جميع ما روى لعمومها، وما لم يرو، فلا يصح تخصيصها ببعض الأحوال دون بعض). اهـ.
وقال ابن عطية: (اختلف الناس في سبب هذه الآية فقال أنس بن مالك والجمهور سببها ما وقع بين المسلمين والمتحزبين منهم مع عبد اللَّه بن أبي ابن سلول حين مر به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو متوجه إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه فقال عبد الله بن أبي لما غشيه حمار رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تغبروا علينا ولقد آذانا نتن حمارك فرد عليه عبد الله بن رواحة). اهـ.
وقال ابن عاشور: (وفي الصحيحين عن أنس بن مالك فذكر الحديث حتى قال: وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد: وليس فيه أن الآية نزلت في تلك الحادثة.
ويناكد هذا أن تلك الوقعة كانت في أول أيام قدوم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وهذه السورة نزلت سنة تسع من الهجرة، وأن أنس بن مالك لم يجزم بنزولها في ذلك لقوله: (فبلغنا أنها نزلت فيهم) اللهم إلا أن تكون هذه الآية أُلحقت بهذه السورة بعد نزول الآية بمدة طويلة) اهـ.
وسأذكر حديث أسامة ليتبين الأمر:
عن أسامة بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب على حمار على قطيفةٍ فَدَكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر. قال: حتى مر بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خَمَّر عبد اللَّه بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى اللَّه،