يسلم عبد اللَّه بن أبي وأصحابه والآية المذكورة في الحجرات، ونزولها متأخر جدًا وقت مجيء الوفود، لكنه يحتمل أن تكون آية الإصلاح نزلت قديمًا فيندفع الإشكال) اهـ، بتصرف.
وأقول: إن الناظر في كلام ابن العربي وابن عطية يجد أنهما لا يفرقان بين حديث أنس وأسامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأن ابن العربي جعل حديث أسامة الذي خلا من ذكر النزول بدل حديث أنس الذي تضمن النزول، وذكر أنه أصح الروايات في سبب نزولها.
وابن عطية جمع في سياق حديثه بين اللفظين مع ما بينهما من الاختلاف.
وما ذهبا إليه من اتحاد الحديثين، مؤيد بقول ابن حجر: (ويدل على اتحادهما أن في حديث أسامة: (فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد الله بن أبي أنفة بردائه)) وعندي - واللَّه أعلم - أن الحديثين حكاية عن قصة واحدة؛ لأن ما يجمع بين الحديثين أكثر مما يفرق بينهما.
وإذا كان الأمر كذلك فإن ذكر النزول يعكر عليه أمور:
أولاً: ما ذكره ابن بطال من أن أصحاب ابن أبي كانوا كفارًا فكيف ينزل فيهم (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا).
ثانياً: أن القصة كانت قبل وقعة بدر، وقبل أن يسلم عبد اللَّه بن أبي وأصحابه، وآية الحجرات تأخر نزولها إلى وقت مجيء الوفود.
ثالثاً: ما ذكره ابن عاشور من أن أنس بن مالك لم يجزم بنزولها في ذلك لقوله: (فبلغنا أنها نزلت فيهم).
رابعاً: أن سياق أسامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للقصة خلا من ذكر النزول، مع أنه كان شاهداً للقصة لأنه كان رديف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحمار. ولو نزل شيء لكان أعلم الناس به أسامة.
خامساً: عدم الموافقة بين سياق القصة وسياق القرآن من وجوه:
١ - أن الآية تتحدث عن طائفتين مؤمنتين، وإحدى الطائفتين في القصة ليست كذلك.