العرب في الجاهلية لأنهم لا يحبون أن يتركوا عوائد الجاهلية) اهـ.
قلت: لو ذكر لهذا دليلاً لَسَلَّمنا أما مع عدم الدليل فلا.
وعندي - واللَّه أعلم - أن قاعدة النفاق الراسخة وجهان ولسانان وحالان باطن وظاهر، والمنافقون دومًا لا يستطيعون الفصل بينهما بل لا يحسنون إلا الجمع بينهما وقد دلَّ على هذا كتاب الله. قال الله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ).
وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥). ولك أن تعجب من اجتماع، حسن القول مع العداوة ولَيِّ الرؤوس.
وقال تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤).
وقال تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧).
وقال تعالى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على أن المنافقين يحسنون دورين ويلبسون قناعين. وإنما الغرض من عرض الآيات السابقة أن أبين أن منهج المنافقين لا يتفق مع ما ذكره المفسرون هنا في تفسير التحية، وإنما الذي يتفق مع منهجهم هنا أنهم كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وإذا أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيّوه بأحسن تحية، ثم يقولون لبعضهم: (لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ) أي: لِجمعنا بين ضدين صلاح ظاهر، وفساد باطن. واللَّه أعلم.