قال السعدي: (أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها عمن سواهم الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة.
وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة للَّه تعالى، مقدمة على شهوات النفس ولذاتها ومن ذلك قصة الأنصاري، الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعًا) اهـ.
وقال ابن حجر لما ذكر الحديث: (هذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية) اهـ.
فإن قال قائل: ما جوابك عن هذا الإشكال وهو أن هذه الآية وردت في ثنايا آيات ثلاث، الأولى تتحدث عن المهاجرين، والثانية عن الأنصار، والثالثة عن سائر المؤمنين بعدهم، فكيف يكون لهذه الجملة من الآية سبب مع أنها جاءت في ثنايا هذه الآيات؟
فالجواب: يمكن القول إن الآيات الثلاث نزلت قبل ذلك، ثم وقعت قصة الأنصاري فأنزل اللَّه فيها هذه الجملة من الآية: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ونظير هذا نزول قوله تعالى في سورة النساء: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) بعد نزول الآية.
فإن قال قائل: إيثار الأنصار على أنفسهم متعدد وله أكثر من صورة من ذلك موقف سعد بن الربيع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث أراد إيثار عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله، وإحدى زوجتيه.
وكذلك إيثار الأنصار المهاجرين نصيبهم من أموال بني النضير. وغير ذلك ولهذا أفلا يقال إن الآية نزلت في الأنصار جميعاً؟


الصفحة التالية
Icon