(كَفَرْنَا بِكُمْ) أي: بكل شيء يلتبسون به مما يدان به. والكلام على المشاكلة والتهكمَ إذ الكفر إنما يكون بالحق وما أتى به الرسل. (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) فحينئذٍ تنقلب العداوة موالاة، والبغضاء حباً. (إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) مستثنى من أسوة حسنة؛ لأنها عبارة عن قولهم: (إِنَّا بُرَآَءُ) إلى آخره.
(وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) هذا وإن صح أن يكون من الأسوة لكونه كلاماً حقاً إلا أنه جعله تابعاً للاستغفار؛ مبالغة في تحقيق الوعد. كأنه قال: أبذل جهدي ولو ملكت غير الاستغفار لفعلته. (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) كلام مستأنف. التجاء إلى اللَّه بعد إظهار العداوة والتبرء عنهم في كفاية شرهم. أو تعليم من الله للصحابة بعد النهي عن موالاة الكفار، والأمر بالاقتداء إبراهيم عليه السلام؛ تتميماً للوصية. كقوله: (انْتَهُوا خَيْرًاْ لَكُمْ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا... (٥) محل فتنة بأن تسلطهم علينا فيفسدوا علينا ديننا. (وَاغْفِرْ لَنَا) ما فرط. (رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حقيق بإجابة الدعاء وتحقيق رجاء المتوكلين.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... (٦) كرره؛ مبالغة في الحث على الايتساء؛ ولهذا أكده بما هو غاية في التوكيد وهو القسم. وأَبْدَلَ عن قوله (لكم) (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)؛ إشارةً إلى أن من توقف ليس بمؤمن بالآخرة، وعقبه بقوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فلا يضره توليه بل ضر نفسه.
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً... (٧) توكيد للأمر بالتصلّب، وتهوين عليهم بأن ذلك عن قريب سينقلب مودة وسبباً لسعادة أولئك بدخولهم في