وقد نسب عدد من العلماء الاوائل ظاهرة تخفيف الهمز الى «الحجازيين». ولكن ينبغي ان لا نأخذ هذا الحكم مأخذ الصحة المطلقة لاعتبارين:
الاول: ان الاخبار تدل على ان بعض «الحجازيين» كانوا يحققون الهمز.
الثاني: ان تخفيف الهمز لم يكن مقصورا على منطقة دون اخرى وانما كان فاشيا في كثير من المناطق العربية وان تفاوتت صوره ودرجاته (١).
واذا كانت القبائل البدوية التي تميل الى السرعة في النطق، وتسلك ايسر السبل الى هذه السرعة فان تحقيق الهمز كان في لسان الخاصة التي تخفف من عيب هذه السرعة، أي ان الناطق البدوي تعود النبر في موضع الهمز، وهي عادة املتها ضرورة انتظام الايقاع النطقي، كما حكمتها ضرورة الابانة عما يريده من نطقه لمجموعة من المقاطع المتتابعة السريعة الانطلاق على لسانه، فموقع النبر في نطقه كان دائما ابرز المقاطع وهو ما كان يمنحه كل اهتمامه وضغطه.
اما القبائل الحضرية فعلى العكس من ذلك، اذ كانت متأنية في النطق، متئدة في ادائها او إذا لم تكن بها حاجة الى التماس المزيد من مظاهر الاناة، فأهملت همز كلماتها، أعني المبالغة في النبر واستعاضت عن ذلك بوسيلة اخرى كالتسهيل، والابدال، والاسقاط (٢).
وبالتتبع وجدت الوسائل التي سلكها العرب لتخفيف الهمز ما يلي: النقل- والابدال- والتسهيل- والحذف.
وقد وردت القراءات القرآنية الصحيحة بكل ذلك:
فالنقل يجوز عند القراء اذا كانت الهمزة متحركة بعد ساكن صحيح، فاذا اريد تخفيفها فانها تحذف بعد نقل حركتها الى الساكن الذي قبلها سواء كانت حركتها فتحة: نحو «قرآن- قد افلح» او كسرة نحو: «من
_________
(١) من اصول اللهجات العربية في السودان ص ٣٤.
(٢) انظر: مخطوطة الوقف والوصل في اللغة العربية ص ١٢٠.