بل في أوائل كلمات، قد تضمنت تلك
الكلمات معاني صحيحة، من ثناء على قراءة أو قارئ، أو تعليل مفيد. ثم يأتي بالواو الفاصلة كقوله: ومالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: ٤] راويه ناصر. وعند صراط ذكر أولا حرف القرآن وهو مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: ٤]، ثم ذكر الرمز في قوله: راويه ناصر وهما الراء والنون ثم أتى بالواو الفاصلة في قوله وعند صراط. وهذا معنى قوله: «متى تنقضي آتيك بالواو فيصلا»، أي إذا انقضى ذكر الحرف المختلف في قراءته ورمز من قرأه، آتي بكلمة أولها واو تؤذن بانقضاء تلك المسألة واستئناف كلمة أخرى. وقوله: ذكري الحرف يقرأ بإضافة ذكر إلى ياء المتكلم، ونصب الحرف ويقرأ بخفض الحرف على إضافة ذكر إليه عوض ياء المتكلم الساقطة من اللفظ لالتقاء الساكنين.

سوى أحرف لا ريبة في اتّصالها وباللّفظ أستغني عن القيد إن جلا
يعني أنه ربما استغنى عن الإتيان بالواو الفاصلة إذا دل الكلام بنفسه على الانقضاء والخروج إلى شيء آخر وارتفعت الريبة كقوله: وغيبك في الثاني إلى صفوه دلا خطيئته التوحيد عن غير نافع، فإن لفظ خطيئته دل على انقضاء الكلام في الغيبة والخطاب، وقوله:
وباللفظ أستغني عن القيد، كقوله وحمزة أسرى في أسارى، فإنه استغنى عن تقييد اللفظين كما قيد في قوله في بقية البيت وضمهم نقاد وهم والمد. قوله إن جلا أي إن كشف اللفظ عن المقصود وبينه ومنه، يقال جلوت الأمر إذا كشفته، يعني لا يستغني باللفظ إلا إذا كان اللفظ يكفي عن ذلك القيد وإن لم يكف قيد.
وربّ مكان كرّر الحرف قبلها لما عارض والأمر ليس مهوّلا
رب حرف جر في الأصح لتقليل النكرة ومكان مجرورها. وقوله: كرر يقرأ بضم الكاف وكسر الراء، والرواية بفتحهما ففي كرر ضمير يعود إلى الناظم، أي رب مكان، كرر الناظم حرف الرمز قبل الواو الفاصلة، وأراد بالحرف هنا حرف الرمز الدال على القارئ لا الكلمة المختلف فيها المعبر عنها بقوله ومن بعد ذكري الحرف. قوله: لما عارض، أي لأمر عارض اقتضى ذلك من تحسين لفظ أو تتميم قافية وهو في ذلك على نوعين: أحدهما أن يكون الرمز لمفرد مكرر بعينه كقوله: حلا حلا وعلا علا. والثاني أن يكون الرمز لجماعة ثم يرمز لواحد من تلك الجماعة كقوله سما العلا ذا أسوة تلا، وقد يتقدم المفرد كقوله: إذ سما كيف عولا، والهاء في قبلها تعود على الواو الفاصلة المنطوق بها أي قبل موضعها وإن لم توجد فإن حلا حلا وعلا علا ليس بعدهما واو فاصلة. فإن قيل فما الرمز فيهما هل هو الأول والثاني؟
قيل: ظاهر كلام الناظم أن الرمز هو الأول وهو الذي ينبغي أن يكتب بالأحمر، فإن كان صغيرا مع كبير فلا يحمر إلا الكبير الذي دخل فيه الصغير نحو إذ سما فلا يحمر ألف إذ، وكذا سما العلا لا تحمر الألف من العلا، وكذلك إذا أضيف الكبير إلى ضمير نحو
حرميهم وصحبتهم، لا يحمر الهاء والميم.
واعلم أنه كما يكرر الرمز لعارض فقد تكرر الواو الفاصلة أيضا لذلك كقوله: قاصدا ولا ومع جزمه يفعل ولم يخشوا هناك مضلّلا وأن يقبل. قوله: والأمر ليس مهولا، بكسر الواو، أي أمر استعمال الرمز هين ليس مفزعا.


الصفحة التالية
Icon