يدل على الآخر وكذلك النصب والخفض كل واحد منهما يدل على الآخر قوله: أقبلا أي جاء الغير بالفتح في مقابلة الضم، وبالنصب في مقابلة الرفع وبالله التوفيق:
وفي الرّفع والتّذكير والغيب جملة | على لفظها أطلقت من قيّد العلا |
أي في القصيد جملة مواضع من: الرفع، والتذكير، والغيب، وأضدادها، أطلقت القارئ الذي فهم الأضداد المتقدمة على قراءتها، خالية من الترجمة. فاعلم من هنا أن الخلاف إذا دار بين الرفع وضده فلا أذكر إلا الرفع رمزا أو صريحا، وإذا دار بين التذكير وضده فلا أذكر إلا التذكير، وإذا دار بين الغيب وضده فلا أذكر إلا الغيب. فإذا علمت أحد الوجهين من هنا أخذت للمسكوت عنه ضده من المتقدم. وقوله: على لفظها، أي على قراءتها أطلقت أي أرسلت. أي: وفي الرفع والتذكير والغيب جملة من حروف القرآن، في القصيد أطلقت على لفظها من غير تقييد، يعني أنه ربما استغنى بألفاظ هذه الثلاثة عن تقييدها. وقد اتفق اجتماع هذه الثلاثة في بيت واحد بالأعراف، وهو قوله: وخالصة أصل، ولم يقل بالرفع، فكان هذا الإطلاق دليلا على أنه مرفوع. ولا يعلمون قل، ولم يقل بالغيب، لشعبة في الثاني ويفتح شمللا، ولم يقل بالتذكير، ونبه بقوله: من قيد العلا، على أنه إنما وضع قصيده لمن عرف معانيه ليرتقي به إلى أعلى هذا الشأن، أي: من حاز الرتب العلا:
وقبل وبعد الحرف آتي بكلّ ما | رمزت به في الجمع إذ ليس مشكلا |
أخبر أنه لا يلتزم لكلم الجمع مكانا، بل يأتي بها تارة قبل الحرف وتارة بعده، إذ لا إشكال فيها، بخلاف حروف أبجد. والمراد بالحرف هنا كلمة القرآن. والرمز في اللغة الإيماء والإشارة ومنه قوله تعالى: إِلَّا رَمْزاً [آل عمران: ٤١]، ولما كانت هذه الكلمات والحروف التي جعلها دالة على القراءة كالإشارة إليهم، سماها رمزا وأراد بما رمز به في الجمع الكلمات الثماني، فإنها هي التي لا يشكل أمرها في أنها رمز سواء تقدمت على الحروف أو تأخرت. وأما الحروف الدالة على الجمع كالتاء والخاء وما بعدهما فلها حكم الحروف الدالة على القراء منفردين، وقد التزم ذكرها بعد حرف القرآن بقوله:
ومن بعد ذكري الحرف أسمي رجاله
وقد تقدم هذا، ومثال ذكره رمز الجمع قبل حرف القرآن، نحو: وصحبة يصرف
ومثال ذكره إياه بعده نحو يستبين صحبة ذكر وأولا وقوله ليس مشكلا أي ليس بصعب؛
وسوف أسمّي حيث يسمح نظمه | به موضحا جيدا معمّا ومخولا |
أخبر أنه يسمي القارئ باسمه ولا يرمزه، حيث يسمح نظمه به، أي حيث يسهل عليه نظمه تارة يذكره قبل حرف القرآن، وتارة بعده على حسب ما يسهل كقوله:
«لحمزة فاضمم كسرها أهله امكثوا»، وقوله:
«ولا كذابا بتخفيف الكسائي أقبلا.
واعلم أن التصريح تارة يكون باسم القارئ كما تقدم وتارة يكون بكنيته كقوله:
«وقطبه أبو عمرو»، وتارة يكون بنسبه كقوله:
«وكوفيهم تساءلون»، وتارة يكون بضمير كقوله:
«وبصروهم أدرى». وأما حرمي فإنه وإن كان نسبة فإنه جعله رمزا، فيجتمع مع الرمز كقوله: وإستبرق حرمي نصر وقد استمر له أنه لا يجمع بين رمز واسم صريح في ترجمة واحدة، ويجمع بينهما في ترجمتين فإنه قد يرمز بقراءة القارئ في الحرف الواحد، ويصرح فيه بالقراءة الأخرى لغيره كما قال:
«يلهث له دار جهلا»، ثم قال:
«وقالون ذو خلف»، وكذلك قد يرمز للقراء ويستثني بالصريح كقوله
«وإضجاع «را» كل الفواتح»، ذكره حمى غير حفص. وقوله: «ليقضوا سوى بزيهم نفر