وسحائبها أي مدامعها، أي: لسال دمعها دائما بكثرة بكائها، على التقصير في الطاعة، والديم: جمع ديمة وهو المطر الدائم، وقيل أقله يوم وليلة والهطل تتابع المطر
والدمع وسيلانه:
ولكنّها عن قسوة القلب قحطها | فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا |
لكن للاستدراك، وقسوة القلب غلظه، والقحط الجدب. أي: لم ينقطع الدمع إلا بسبب أن القلب قاس، قال عليه أفضل الصلاة والسلام:
«أربعة من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل والحرص على الدنيا». قوله:
«فيا ضيعة الأعمار» نادى ضيعة الأعمار على معنى التأسف، وضيعة الأعمار ذهابها بلا كسب عمل صالح. تمشي أي:
تمضي سبهللا أي فارغة، يقال لكل شيء فارغ سبهلل:
بنفسي من استهدى إلى الله وحده | وكان له القرآن شربا ومغسلا |
أي: أفدي بنفسي من كل محذور. من استهدى، أي: من طلب الهداية من الله وحده لا من غيره، أي: منفردا بطلب الهداية في زمن إعراض الناس عنها، وكان له القرآن شربا أي نصيبا. أي إذا اقتسم الناس حظوظهم كان القرآن حظه يتروى به ومغسلا يتطهر به من الذنوب، أي بدوام تلاوته والعمل بما فيه:
وطابت عليه أرضه فتفتّقت | بكلّ عبير حين أصبح مخضلا |
أي طابت على المستهدي أرضه، فتفتقت: أي فتفتحت له بكل عبير لما يثني به عليه أهلها من الثناء الذي يشبه العبير طيبا والعبير الزعفران، وقيل: هو أخلاط من الطيب يجمع بالزعفران حين أصبح مخضلا أي مبتلا، كني بذلك عما أفاض الله عليه من نعمه بالمحافظة على حدوده:
فطوبى له والشّوق يبعث همّه | وزند الأسى يهتاج في القلب مشعلا |
طوبى له أي للمستهدي أي الجنة له، أي ما أطيب عيشه حين يبعث الشوق همه، والهم هنا الإرادة، أي الشوق إلى ثواب الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم يثير إرادته ويوقظها مهما أنس منها فتورا أو غفلة. والزند الأعلى مما يقدح به النار والزندة السفلى استعارة له. والأسى الحزن من أسيت على الشيء أي أسفت عليه، ويهتاج أي يثور وينبعث، ومشعلا أي: موقدا. وسبب هذا الحزن التأسف على ما ضاع من العمر:
هو المجتبى يغدو على النّاس كلّهم | قريبا غريبا مستمالا مؤمّلا |
هو ضمير المستهدي والمجتبى المختار يغدو إذا مر أي يمر بالناس متصفا بهذه الصفات المذكورة قريبا من الله غريبا من الناس، مستمالا أي يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه والإقبال عليه، مؤملا أي يؤمل عند نزول الشدائد:
يعدّ جميع النّاس مولّى لأنّهم | على ما قضاه الله يجرون أفعلا |
يعد أي يعتقد أن كل واحد من الناس مولى أي عبد الله. مأمورا مقهورا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فلا يرجوهم ولا يخافهم لأن أفعالهم تجري على ما سبق به القضاء والقدر، أو يكون أراد بمولى: سيدا فلا يحتقر أحدا منهم بل يتواضع لكبيرهم وصغيرهم لجواز أن يكون خيرا منه: