هو المرتضى أمّا إذا كان أمّة ويمّمه ظلّ الرّزانة قنقلا
هو ضمير القارئ، أي هو المرتضى قصده لأن معنى الأم القصد، وكان بمعنى صار، ويقال للرجل الجامع للخير أمة، كأنه قام مقام جماعة لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من المصالح. ومنه قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [النحل: ١٢٠]، وقوله: ويممه أي قصده، والرزانة السكينة والوقار، واستعار للرزانة ظلا وجعل الرزانة هي التي تقصده كأنها تفتخر به لكثرة خلال الخير فيه، قال عليه الصلاة والسلام: «من جمع القرآن متّعه الله بعقله حتى يموت». والقنقل الكثيب من الرمل، والقنقل أيضا المكيال الضخم، وكان لكسرى تاج يسمى القنقل.
هو الحرّ إن كان الحريّ حواريا له بتحرّيه إلى أن تنبّلا
هو ضمير القارئ المرتضى قصده، والحر الخالص من الرق أي لم تسترقه الدنيا ولم يستعبده الهوى، وكيف يقع في ذلك من فهم قوله تعالى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: ١٨٥]، [الحديد: ٢٠]، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء». والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة والحريّ بمعنى الحقيق، والحواري الناصر الخالص في ولايته، والياء مشددة خففها ضرورة، والتحري بذل المجهود في طلب المقصود واشتقاقه من الحري أي اللائق والتحري القصد مع فكر، وتدبر واجتهاد أي بطلب ما هو الأحرى أي الأليق. إلى أن تنبلا أي إلى أن مات، يقال: تنبل البعير إذا مات، والهاء في «له» للقرآن، وفي «تحريه» للقارئ.
وإنّ كتاب الله أوثق شافع وأغنى غناء واهبا متفضّلا
هذا حث على التمسك بالقرآن والعمل بما فيه ليكون القرآن شافعا له كافيه، وهو أوثق شافع أي أقوى، وصفه بذلك لأن شفاعته مانعة له من وقوعه في العذاب، وشفاعة غيره مخرجة له منه بعد وقوعه فيه، قال عليه الصلاة والسلام: «من شفع له القرآن يوم القيامة نجا»، قوله: وأغنى غناء أي: وأكفى كفاية، أي كفاية القرآن أتم من كفاية غيره، قال عليه الصلاة والسلام: «القرآن غنى لا فقر معه ولا غنى دونه، وليس منا من لم يتغن بالقرآن»، أي: يستغن، لأنه عليه الصلاة والسلام قاله حين دخل على سعيد وعنده متاع رث. قوله:
واهبا متفضّلا، أي: زائدا في دوام هبته وبذلها على الاستمرار من غير انقطاع.
وخير جليس لا يملّ حديثه وترداده يزداد فيه تجمّلا
القرآن خير جليس، وهو أحسن الحديث لقوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر ٢٣]. وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما تجالس قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده». قوله: لا يمل حديثه، أي لا تمل تلاوته وسماعه، أشار إلى قولهم: «كل مكرر مملول إلا القرآن»، والهاء في ترداده تعود على القرآن، لأنه كلما ردد ازداد حسنا وجمالا، ويجوز أن يعود على القارئ لأنه يزداد بترداده من الثواب الجزيل، وفوائد العلم الجليل، ما يتجمل به في الدنيا والآخرة.
وحيث الفتى يرتاع في ظلماته من القبر يلقاه سنا متهلّلا
وصف القارئ بالفتوة وهو خلق جميل يجمع أنواعا من مكارم الأخلاق، ويرتاع أي:
يفزع وأضاف الظلمات إلى الفتى لأنها ظلمات أعماله الناشئة من القبر يلقاه القرآن سنى متهللا، والسنى بالقصر


الصفحة التالية
Icon