وعلى هذا قوله: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها (١). فجاء بالواو لحصر عدّة المستحقين للصدقة: للفقراء والمساكين والعاملين، إلى تمام الأصناف الثمانية من غير زيادة. وكذلك المحلّ لكم من نكاح النساء من جهة الأعداد، مثنى وثلاث ورباع من غير زيادة على ذلك، إلّا أنّه يجوز في آية الصدقات أن تدفع صدقة لأحد الأصناف الثمانية، ولا يجوز أن يجمع بين هذه الأقسام الثمانية من العدد من جهة أنّ الأبدال المعدولة في العدد لا يكون معناها إلّا على الانفراد وإن حصل فيها العطف بالواو كما مثّلت أوّلا فيما تقدّم من قول القائل: ادخلوا عليّ ثناء وثلاث ورباع، أي: اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ولم يرد الجمع بينها كلّها، ولم يرد (٢ ب) ادخلوا عليّ تسعة تسعة.
ولو كان المعطوف يقضي الأمر فيه أن يكون بدلا من المعطوف عليه فتكون الثلاثة بدلا من الاثنين، والأربعة بدلا من الثلاثة لوجب مثل ذلك في قوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها فتكون الصدقة للمساكين بدلا من الفقراء، والصدقة للعاملين عليها بدلا من المساكين، وليس الأمر كذلك.
وإنّما يجيء مثل هذا بالواو في كلام العرب على جهة الحصر للأصناف المعدودة، أي المستحقين للصدقة: الفقراء والمساكين والعاملين عليها، إلى انتهاء الأصناف الثمانية من غير زيادة، فمن وجد منهم دفعت إليه الصدقة. وهذا كما تقول:
كنت آكل في بلدي اللحم والتمر والزيت والسمن والعسل، فحصر أصناف ما يأكله، ولم يرد أنّه كان يجمع بين هذه كلّها في أكلة.
وكذلك قوله سبحانه: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، أي: لينكح كلّ (٣ أ) منكم مثنى وثلاث ورباع من غير
_________
(١) التوبة ٦٠ وتمامها: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ..