ومعنى «ضمنتها» جعلتها متضمنة ومشتملة على حروف نافع والحروف جمع حرف. ومعناه فى اللغة الطرف من كل شىء، وواحد حروف التهجى.
والمراد به هنا الكلمة القرآنية التى يقرؤها نافع بوجه معين، فحروف نافع عبارة عن الكلمات القرآنية التى يقرؤها نافع بهيئة خاصة، وفى إطلاق الحرف على الكلمة مجاز مرسل من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
ونافع هو أحد الأئمة القراء الذين اشتهر ذكرهم فى جميع الآفاق، ووقع على فضلهم وجلالتهم الاتفاق، وهو نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم، وكنيته أبو رويم، وهو مدنىّ نسبة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصله من أصبهان، وهو من الطبقة الثالثة بعد الصحابة، وكان أسود شديد السواد، وكان رضى الله عنه عالما خاشعا مجابا فى دعائه، إماما فى علم القرآن، وعلم العربية. أمّ الناس فى الصلاة بمسجد رسول الله ﷺ ستين سنة، قرأ على سبعين من التابعين، وقرأ على مالك رضى الله عنه الموطأ، وقرأ عليه مالك القرآن، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة وأجمع عليه الناس بعد شيخه أبى جعفر، وقرأ عليه مائتان وخمسون رجلا، وكان إذا تكلم تشم من فيه [فمه] رائحة المسك فقيل له يا أبا عبد الرحمن: أتطيب كلما قعدتّ تقرئ الناس القرآن؟ فقال: ما أمس طيبا، ولكنى رأيت فيما يرى النائم النبى ﷺ وهو يقرأ فى فىّ، وفى رواية يتفل فى فىّ فمن ذلك الوقت تشمّ من فىّ هذه الرائحة.
ولد رضى الله عنه سنة سبعين، وتوفّى بالمدينة سنة تسع وستين ومائة، وروى أنه لما حضرته الوفاة قال له أبناؤه أوصنا فقال لهم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
وقد نقل عن نافع راويان: قالون، وورش. فأما قالون فهو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى بن عبد الصمد بن عمر بن عبد الله المدنى، وكنيته أبو موسى. قرأ على نافع سنة خمسين ومائة، ولازمه كثيرا، ويقال إنه كان ربيبه، ولقبه قالون، قيل إن شيخه نافعا هو الذى لقّبه به لجودة قراءته؛ فإن معنى قالون بلغة الروم جيد، وكانت مدة قراءته على نافع خمسين سنة، وكان رضى الله عنه قارئ المدينة ونحويّها، قيل كان أصمّ لا يسمع البوق (١)، فإذا قرئ عليه القرآن سمعه، وقيل
مصححه.