ومن خلال عرض رأي الفريقين يتضح الآتي:
أولا: مغالاة الفريقين فيما ذهبا إليه، وأن المقبول هو أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قام بدور عظيم في تفسير كتاب اللَّه، لكنه لم يفسره كله بطبيعة الحال؛ إذ لو قلنا بتفسير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - القرآن كله لما كان هناك داع لدعوة القرآن إلى تدبر آيات اللَّه فيه (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ولما كان للتحذير الشديد والوعيد القاصم للذين لا يتدبرونه في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، من قيمة.
ثم إنه إذا كان الأمر كذلك فلا قيمة للتفسيرات التي وضعها العلماء من لدن الصحابة وحتى يوم الناس هذا، وهي تفسيرات فيها من الجديد المعجب ما لا يمكن إنكاره، أو الزعم بأنه غير صحيح.
هذا بالإضافة إلى أننا لو قلنا بأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فسر القرآن لفظه ومعناه لكذبناه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما قال عن القرآن من أنه: " لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد "، ولكان اختلاف الصحابة حول القرآن بعد رسول اللَّه اجتراء منهم على اللَّه وحيفًا عن هديه صلى اللَّه عليه وسلم، وحاشا أن يفعل الصحابة ذالك أو يقع منهم.
كما أننا لو قلنا: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يفسر من معاني القرآن إلا القليل، لهضمنا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حقه في شخصه ودعوته ورسالته؛ إذ إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بين أصول الدِّين وأحكامه وشرائعه وأركانه المبثوثة في القرآن الكريم بصورة إجمالية أو كلية، ففصل المجمل، وأبان عن جزئيات الكلي، فعرف الناس دينهم: أصوله وأركانه وشرائعه وجزئياته، فلو قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يفسر إلا القليل، فمن الذي بين لنا الدِّين " الإسلام " الذي جاء به القرآن؟!
كذلك لو قلنا بهذا لكذبنا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في قوله: " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله


الصفحة التالية
Icon