وأما الثاني فلأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانت مهمته التوضيح والبيان (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم...)، الآية، فما جاء عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من شرح أو بيان بسند صحيح ثابت فإنه مما لا شك فيه أنه حق يجب اعتماده ".
المرحلة الثانية: التفسير في عهد الصحابة رضوان اللَّه عليهم:
جاء عهد الصحابة، وما من شك في أنهم كانوا يفهمون القرآن جملة، أي: بالنسبة لظاهره وأحكامه، أما فهمه تفصيلاً، ومعرفة دقائق باطنه، بحيث لا يغيب عنهم شاردة ولا واردة، فهذا غير ميسور لهم بمجرد معرفتهم للغة القرآن، بل لابد لهم من البحث والنظر؛ وذلك لأن القرآن -كما سبقت الإشارة- فيه المجمل، والمشكل، والمتشابه، وغير ذلك مما لابد في معرفته من أمور أخرى يرجع إليها.
ولذلك فإن قليلاً من الصحابة من استشرف لمعرفة تفصيلات القرآن ودقائقه من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأقل منهم من رزق الفهم الصحيح بعد البحث والنظر، وليس هذا التفاوت بقادحٍ في أذهان الصحابة وصحة فهمهم للقرآن الكريم عامة؛ إذ إنه راجع إلى اللغة نفسها، وهي من أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا، ولا يحيط بها غير النبي المعصوم، ولا بأس بغروب ألفاظها على بعض الصحابة ما دام ذلك لا يغرب على عامتهم.
وبطبيعة الحال لم يكن الصحابة في درجة وإحدة في فهم اللغة وإدراك أسرارها، وليس بمقدور قوم أن يفهموا كل ما يكتب بلغتهم من العلوم على حد سواء، ومن هنا لم يكن الصحابة في درجة واحدة لفهم معاني القرآن، بل تفاوتت مراتبهم، تبعًا لتفاوتهم في فهم اللغة وإدراك أسرارها، وهذا يرجع إلى تفاوتهم في القوة العقلية، وما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات، وأكثر من هذا أنهم كانوا لا يتساوون في معرفة المعاني التي وضعت لها المفردات، فمن مفردات القرآن ما خفي معناه على بعض الصحابة، ولا ضير في هذا، فإن اللغة لا يحيط بها إلا معصوم، ولم يدع أحد أن كل فرد من أمة يعرف جميع ألفاظ لغتها.


الصفحة التالية
Icon