- ادعى أبو مسلم أنه ينتسب إلى سليط بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ.
وهكذا اجتمعت لدى أبي جعفر المنصور الأدلة المقنعة للفتك بأبي مسلم، وطفق يدبر أمر اغتياله، فولى هشام بن عمر العقيلي مكان أبي مسلم، فانصرف أبو مسلم، وأقبل يريد خراسان مغاضبًا لأبي جعفر؛ حتى يثير أهل خراسان عليه ويجعل العباسيين دائمًا في قبضة يده، فمر بالمدائن، وأبو جعفر ينزل برومية على مقربة منها، فلم يسع إلى لقائه، ونفذ لوجهه حتى جاز حلوان، فسير إليه المنصور نفرًا من أصحابه فلحقوه وعظموا عليه الخطب، وحذروه عاقبة البغي ونصحوه بالرجوع إلى المنصور، فأقبل إلى العراق وقدم على أبي جعفر، فأمر الناس بتلقيه، فتلقاه بنو هاشم والناس، فدخل على المنصور فقبل يده، وأمره المنصور بأن ينصرف ويروح نفسه ويدخل الحمام، فانصرف، فلما كان الغد دعا المنصور عددًا من الحرس وأمرهم بالجلوس وراء الرواق فإذا صفق بيديه وثبوا على أبي مسلم فقتلوه، ثم أرسل إلى أبي مسلم يستدعيه، ثم أخذ يعاتبه على مخالفته له، فلما طال عتاب المنصور قال أبو مسلم: " لا يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني ".
فقال له المنصور: " يا ابن الخبيثة، واللَّه لو كانت أمة مكانك لأجزأت، إنما عملت في دولتنا وبريحنا، فلو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلا "، فأخذ أبو مسلم بيده يقبلها ويعتذر إليه، فقال له المنصور: " ما رأيتك اليوم، واللَّه ما زدتني إلا غضبًا "، قال أبو مسلم: " دع هذا فقد أصبحت ما أخاف إلا اللَّه تعالى "، فغضب المنصور وشتمه، ثم صفق بيده على الأخرى، فخرج عليه الحرس فأخذوه بسيوفهم حتى قتلوه، وتم ذلك في شعبان سنة مائة وستة وثلاثين هجرية.
ثم خطب المنصور في الناس بعد أن قتله فقال: " أيها الناس، لا تخرجوا عن أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تسروا غش الأئمة، فإن من أسر غش إمامه أظهر الله سريرته في فلتات لسانه وسقطات أفعاله، وأبداها اللَّه لإمامه الذي بادر بإعزاز دينه به وإعلاء حقه بفلجه، إنا لم نبخسكم حقوقكم، ولم نبخس الدِّين حقه عليكم، وإن أبا مسلم بايعنا وبايع لنا على أنه من نكث بيعتنا فقد أباح لنا دمه، ثم نكث بيعته هو، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا، ولم تمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحق عليه ".
ثم اضطرب أصحاب أبي مسلم بعد قتله، ففرقت فيهم الأموال، فأمسكوا رغبة ورهبة.


الصفحة التالية
Icon