ب - دوره في نشأة التفسير:
أبي بن كعب هو ثالث ثلاثة بعد ابن عَبَّاسٍ وابن مسعود كثرت عنهم الرواية، وكان مقدمًا في القراءة؛ لقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيه: " وأقرؤكم أبي بن كعب ".
وقد عد أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من العلماء المكثرين في التفسير، وربما مكنه من ذلك معرفته بمعاني كتب اللَّه القديمة؛ إذ كان من العارفين بأسرار هذه الكتب وكونه من كتاب الوحي لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وهذا بالضرورة يجعله على مبلغ عظيم من العلم بأسباب النزول ومواضعه، ومقدم القرآن ومؤخره، وناسخه ومنسوخه، ثم لا يعقل بعد ذلك أن تمر عليه آية من القرآن الكريم يشكل معناها دون أن يسأل عنها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
ولقد اتبع أبي في تفسيره منهجًا يتحرى الحيطة والحذر؛ إذ كان يتوقف عند ما ورد في الآيات عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مستعينًا بمعرفته مواضع النزول، وأوقاته وأسبابه، وأحوال من نزل فيهم، بالإضافة إلى خبرته بالكتب القديمة ومعرفة أسرارها، ووقوفه على ما ورد فيها من جهة، وقراءته القرآن على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وإقراء الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - له بعضًا منه تعليمًا وإرشادًا من جهة أخرى، فإذا لم يجد فيما ورد عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شيئًا، أو لم تعنه وسائله التفسيرية السابقة، فإن صنيعه يتوجه إلى بيان الدلالات اللغوية للألفاظ القرآنية؛ إذ كانت الثقافة اللغوية هي زاد القوم الذي يستمدون منه ما يعينهم على ذلك.
لقد استطاع أُبي بما أوتي من علم وموهبة تفسيرية أن يجتذب تلاميذ كثيرين، أثر فيهم بمنهجه الشامل، مما أدى إلى نشأة المدرسة المدنية في التفسير والفقه.
ملاحظات حول تفسير الصحابة:
نستطيع الآن أن نورد مجموعة من الملاحظات على تفسير الصحابة تبرز لنا بشكل أكثر