وكل هذه التفاسير مروية بالإسناد إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وإلى الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وليس فيها شيء من التفسير أكثر من التفسير المأثور، اللهم إلا ابن جرير الطبري فإنه ذكر الأقوال ثم وجهها، ورجح بعضها على بعض؛ وزاد على ذلك الإعراب إن دعت إليه حاجة، واستنبط الأحكام التي يمكن أن تؤخذ من الآيات القرآنية.
وتجدر الإشارة إلى أن التفسير إذا كان قد انفصل عن الحديث، فإنه ليس معنى ذلك أن هذه الخطوة محت ما قبلها وألغت العمل به، بل معناه أن التفسير تدرج في خطواته، فبعد أن كانت الخطوة الأولى للتفسير هي النقل عن طريق التلقي والرواية، كانت الخطوة الثانية له هي تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث، ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الثالثة، وهي تدوينه على استقلال وانفراد، فكل هذه الخطوات، تم إسلام بعضها إلى بعض، بل وظل المحدثون بعد هذه الخطوة الثالئة، يسيرون على نمط الخطوة الثانية، من رواية المنقول من التفسير في باب خاص من أبواب الحديث، مقتصرين في ذلك على ما ورد عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أو عن الصحابة أو عن التابعين.
الخطوة الثالثة: تجاوز التفسير حدود التفسير بالمأثور، بعد ما كان مقصورًا على ذلك، فصنف في التفسير خلق كثير، اختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال المأثورة عن المفسرين من أسلافهم دون أن ينسبوها لقائليها، فدخل الوضع في التفسير والتبس الصحيح بالعليل، وأصبح الناظر في هذه الكتب يظن أن كل ما فيها صحيح، فنقله كثير من المتأخرين في تفاسيرهم، ونقلوا ما جاء في هذه الكتب من إسرائيليات على أنها حقائق ثابتة، وكان ذلك هو مبدأ ظهور خطر الوضع والإسرائيليات في التفسير.
الخطوة الرابعة: وهي خطوة أوسع من سابقتها، امتدت من العصر العباسي إلى يومنا هذا، فبعد أن كان تدوين التفسير مقصورًا على رواية ما نقل عن سلف الأمة تجاوز بهذه الخطوة الواسعة إلى تدوين تفسير اختلط فيه الفهم العقلي بالتفسير النقلي، وتدرج ذلك تدرجًا واضحًا، فبدأ أولاً التفسير العقلي على هيئة محاولات فهم شخصي، وترجيح لبعض الأقوال على بعض، وكان هذا أمرًا مقبولاً ما دام يرجع الجانب العقلي منه إلى حدود اللغة ودلالة الكلمات القرآنية، ثم ظلت محاولات هذا الفهم الشخصي تزداد وتتضخم، متأثرة بالمعارف المختلفة والعلوم المتنوعة والآراء المتشعبة والعقائد المتباينة،


الصفحة التالية
Icon