عرض القرآن على ابن عَبَّاسٍ ثلاثين مرة؛ لتمام الضبط، ودقة التجويد وحسن الأداء، وعرضه بعد ذلك ثلاث مرات؛ طلبًا لتفسيره ومعرفة ما دق من أسراره، وخفي من معانيه، كما تشعر بذلك ألفاظ الرواية.
ومما يدل على ذلك -أيضًا- ما قاله حبيب بن أبي ثابت: " اجتمع عندي خمسة: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء، فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما، جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا ".
ومما يدل على ذلك -أيضًا- ما قاله ابن عَبَّاسٍ نفسه عن عطاء بن أبي رباح: " تجتمعون إليَّ يا أهل مكة وعندكم عطاء؟! ".
وهذا إن دل على رواية عطاء، فإنه يدل كذلك على علو قدمه ورسوخها في تفسير القرآن الكريم، حتى إن ابن عَبَّاسٍ -وهو حبر الأمة وترجمان القرآن- يستنكر على أهل مكة اجتماعهم عليه وبين أظهرهم عطاء بن أبي رباح.
وخلاصة القول: إن المدرسة المكية كانت تعتمد على الرواية في التفسير، فمثلما روى الصحابة عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - التفسير، فقد روى أصحاب المدرسة المكية عن صحابة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبالأخص عن ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما.
هذا، ولم تقتصر روايتهم عن ابن عَبَّاسٍ والصحابة وحسب، بل إنهم رووا عن أهل الكتاب مثلما فعل سلفهم، لكنهم توسعوا حتى روى الذهبي في ميزانه أن أبا بكر بن عياش قال: قلت للأعمش: ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ أو ما بالهم يتقون تفسير مجاهد؟ كما في رواية ابن سعد قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.
لكن ينبغي ألا يتوهم من هذه الرواية أن أصحاب هذه المدرسة لم تكن لهم ضوابط في النقل عن أهل الكتاب، كلا، فلقد كانوا لا يروون إلا ما يعتقدون صدقه، ولم يخالف بيَّنًا مما جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وكيف لا يتحرون الدقة في الأخذ عن أهل الكتاب، ورأس مدرستهم ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - شدد النكير على من يأخذ عنهم أو يصدقهم فيما