والأَصل في ذلك: أَنه ختم على قلوبهم لما تركوا التأَمل، والتفكر في قلوبهم فلم يقع، وعلى سمعهم لما لم يسمعوا قول الحق والعدل، خلق الثقل عليه، وخلق على أَبصارهم الغطاءَ لما لم ينظروا في أَنفسهم، ولا في خلق اللَّه ليعرفوا زوالها وفناءَها وتغير الأحوال؛ ليعلموا أن الذي خلق هذا دائِم لا يزول أَبدًا.
وقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)
إخبار منهم أنهم قالوا ذلك بألسنتهم قولا، وأَظهروا خلاف ما في قلوبهم؛ فأخبر عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام: أَنهم ليسوا بمؤمنين، أي: بمصدقين بقلوبهم.
وكذلك قوله: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
وكذلك قوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية.
هذه الآيات كلها تنقض على الكراميَّةِ؛ لأَنهم يقولون: الإيمان قول باللسان دون التصديق. فأَخبر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - عن جملة المنافقين أَنهم ليسوا بمؤمنين لما لم يأْتوا بالتصديق، وهذا يدل على أن الإيمان تصديق بالقلب.