(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، معناه: آمنوا باللَّه في حادث الوقت؛ لأَنه تارك فعل الكفر في كل وقت؛ فبترك الكفر يتجدد له الإيمان.
وعلى ذلك: يخرج تأويلنا في الزيادة بقولهم: زادتهم إيمانا يتجدد له، ويزداد في حادث الوقت.
وقال آخرون: كان سؤالهم الإسلام سؤال الثبات عليه والدوام.
وقد ذكرنا أَن العصمة لا ترفع خوف الزوال.
ومثل هذا: الدعاء والسؤال -على قول المعتزلة- يكون عبثًا؛ لأَنه لا يملك إِعطاءَ ما سألوا عندهم، بل هم الذين يملكون ذلك، فيَخرج السؤال في هذا -عندهم- مخرج اللعب والعبث، فنعوذ باللَّه من السرف في القول والزيغ عن الهدى.
ثم الإيمان: هو التصديق والتصديق بالقلب يتجدد في كل وقت، فلا وقت يخلو القلب عنه في حال سكون، أَو حال حركةٍ، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ).
يحتمل: أن الأُمةَ المسلمة هي أُمةُ مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ وذلك: أنه لم يكن من أَولاد إِسماعيل رسول سوى مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فسألا: أن يجعل من ذريتهما رسولًا، وأُمة مسلمة، خالصة له.
وإنما الرسل كانوا من أَولاد إِسحاق ومن نسله، واللَّه أَعلم.
وقوله: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا).
وقيل في قوله: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا): يريد الإراءَة إلى يوم القيامة، يدل عليه قراءَة عبد اللَّه: " وأَرهم مناسكهم "، وفي قراءَة غيره على ضم الرؤية إلى نفسه.
والمنسكُ: هو القربة. وأَفعالُ الحج سميت مناسكًا.
ثم لا يحتمل: أن يسألا ذلك، من غير أَمر سبق منه - عَزَّ وَجَلَّ - بذلك؛ لأَنه ليس من الحكمة سؤال: إِيجاب فضل عبادة، أَو قربة بغير أَمر؛ فدل أَنه قد سبق منه بذلك أمر، لكنه لم يبين لهما، فسألا: تعليم ماهيتها وكيفيتها، فعلمهما جبريل ذلك.
ففيه: دلالة تأخير البيان عن وقت قرع السمع الخطاب؛ أَلا ترى أَنه أَمر بالنداء للحج ولم يعلم.
والثاني: أَن آدم والملائكة قد كانوا حجوا هذا البيت قبل إبراهيم - عليه السلام - فدل