الأزل.
وإذا وصفنا اللَّه بما هو حقيقة بلا ذكر الخلق مع ذلك نصفه بالذي نصفه به في الأزل لتعاليه عن التغير والزوال وعن الانتقال من حال إلى حال. ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ).
يعني: تحويل القبلة، لكبيرة: ثقيلة، على من كان اتباعه لهواه، دون أمر أمر به، إلا على الذي يتبع أمر اللَّه فيها ويعتقد طاعته فإنها ليست بثقيلة عليه ولا كبيرة.
وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)
قال بعض أهل التفسير: إن قومًا صلوا إلى بيت المقدس ثم ماتوا على ذلك، فلما حولت القبلة إلى الكعبة قالوا: ضاعت صلواتهم التي صلوا إليها، إشفاقًا عليهم.
لكن هذا بعيد لا يحتمل؛ لأن الذي اعتقد الإسلام من الصحابة، رضي اللَّه تعالى عنهم، وعرف موقع أمر اللَّه وأمر رسوله، لا يجوز أن يخطر ببالهم هذا، أو يعملون لو خطر ببالهم، حتى يسألوا عن ذلك، بل كانوا أعلم باللَّه من أن يجد عدو لله فيهم ذلك؛ ولأنهم قوم يأتمرون بأمر اللَّه وطاعته، ويموتون على التصديق، وعلموا أنهم مؤمنون، ثم يشككون في أحوالهم، لكن إن كان ثم سؤال فهو من اليهود الذين اعتقدوا بطلان التناسخ في الأحكام والشرائع، فكانوا يحتجون على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بأنه ينهى عن التفرق والاختلاف، ثم يدعوهم إلى ذلك. أو قوم من الكفرة آذوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأفرطوا في التكذيب له والخلاف والمعاداة، فأرادوا الإسلام، فظنوا أن ما كان منهم من العصيان والتكذيب يمنع قبول الإسلام، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)، لما كان منكم في حال الكفر.
ألا ترى أن آخر الآية يدل عليه.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
أخبر أنه (رَحِيمٌ) يتجاوز عمن تاب.
أو قوم علموا ألا تناسخ في الدِّين ولا اختلاف فيه؛ فظنوا أن نسخ الأحكام وتبديلها


الصفحة التالية
Icon