فيه الوعد له بالعصمة في حادث الوقت وما يتلوه.
ويحتمل قوله: (وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ)، أي وما لك أن تتابعهم في القبلة، وهذا التأويل كأنه أقرب لما خرج آخر الآية على الوعيد له بقوة.
وقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
وقد ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهي.
ويحتمل: أن يكون المراد من الخطاب غيره.
وقوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (١٤٦)
لأن الأولاد إنما تعرف بالأعلام وأسباب تتقدم، فعلى ذلك معرفة الرسل، عليهم السلام، إنما تكون بالدلائل والأعلام، وقد كانت تلك الدلائل والأسباب في رسول الله ظاهرة، لكنهم تعاندوا وتناكروا وكتموا بعد معرفتهم به أنه الحق، دليله قوله: (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
والكتمان أبدًا إنما يكون بعد العلم بالشيء؛ لأن الجاهل بالشيء لا يوصف بالكتمان.
ورُويَ عن عبد اللَّه بن سلام، أنه قال: أعرفه أكثر مما أعرف ولدي؛ لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي.
وفيه الدلالة أن نعته وصفته كانت غير مغيرة يومئذ، وإنما غيرت بعد حيث أخبر أنهم كتموا ذلك.
وقيل: (لَا يعْلَمُونَ): لا يؤمنون؛ وهو على ما بينا من نفى بذهاب نفعه، وجائز أن يكونوا عرفوه بما وجدوه بنعته في كتبهم، كما قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧).
وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)
يحتمل: أن يكون الخطاب له والمراد غيره.
ويحتمل: هو، وإن كان يعلم أنه لا يمتري؛ لما ذكرنا في غير موضع أن العصمة لا