مذهبهم أن اللَّه لا يفعل بعبده إلا ما هو الأصلح له في الدِّين والدنيا في حقه، فهذا جملة اعتقادهم، ثم هم لا يعرفون الوجه الذي صار أصلح في كل شيء على الإشارة إليه؛ لأنهم يقولون: في إبقاء إبليس اللعين إلى اليوم المعلوم صلاح، وإن كنا لا نعرف الوجه الذي لأجله صار أصلح، وإفناء الأنبياء والرسل - عليهم السلام - كان أصلح وإن لم نعرف من أي وجه صار أصلح؟! فليقولوا هاهنا بأن إيتاء الملك إن كان أصلح لهم لم يكن له ألا يؤتيهم، وإن كان شرًّا فعليه ألا يؤتيهم؛ لئلا يجعلوا الأمر على النفي.
ثم الملك اسم عام، وهو عبارة عن نفاذ التدبير والسلطان والولاية، والملك هو أن يكون للمالك خاصة في الشيء، لا يتناول من ذلك الشيء إلا بإذنه، وقد يكون المرء مالكا، وليس بملك، وقد يكون ملكا ليس بمالك، فكل واحد من الوجهين يقتضي معنى غير ما يقتضيه الآخر.
وجائز أن يكون تأويل قوله: (بِيَدِهِ الْمُلْكُ)، أي: ملك كل من ملك من أهل الأرض بيده؛ لأنه إن شاء أبقى له الملك، وإن شاء نزعه؛ فما من ملك في دار الدنيا إلا وملكه في الحقيقة لله تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
امتدح نفسه تعالى بأنه على ما يشاء قدير، وذلك من أوصاف ربوبيته أيضًا ومن قول المعتزلة: إنه على أكثر الأشياء غير قدير؛ لأنهم يجعلون المعدوم شيئًا؛ فشيئية الأشياء كانت بأنفسها لا بإنشاء اللَّه تعالى، ويجعلون ظهورها باللَّه - تعالى - فقط، وإذا كان كذلك فإنه لم يصر قادرا على شيئية الأشياء، وكذلك ينفون الخلق والقدرة على أفعال العباد.
ومن قولهم - أيضًا -: إن إقدار العبد بيد اللَّه، وإذا أقدر عبدًا من عبيده على الهداية، خرجت القدرة من يده؛ فتصير هذه القدرة مستفادة لا ذاتية، وإذا كان كذلك فقد نفوا


الصفحة التالية
Icon