وقوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠)، وإنما أراد العمل، وكذلك روي عن عمر وابن مسعود وأبي وابن الزبير - رضي اللَّه عنهم - أنهم قرءوا: (فامضوا إلى ذكر) حتى قال عبد اللَّه: " لو كانت القراءة (فَاسْعَوْا) لسعيت، ولو سقط ردائي لم ألتفت إليه "؛ خوفا من تضييع حقها؛ فذلك يدل على أن تأويل الأول عندهم على الإقبال والمبادرة إليها دون السرعة والمشي، ولأن هذا موافق لسائر الصلوات في أن العدو غير مستحب، واللَّه أعلم.
والحديث الوارد في السكينة الوقار مطلق ليس فيه فصل بين الجمعة وغيرها، وعليه إجماع الفقهاء أنه يمشي إلى الجمعة على هينته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) قال بعض الناس بأنه إذا باع في وقت الجمعة، لم يجز بيعه؛ لهذه الآية.
وعندنا أن البيع جائز، لكنه مكروه.
والذي يدل على جوازه أن النهي عن البيع في هذه الآية ليس لمكان البيع، ولكن لمكان الجمعة، فالفساد إذا ورد فإنما يرد في الجمعة لا في البيع؛ لأنه إذا باع في الصلاة فالبيع يفسد الصلاة؛ لأن الصلاة تفسد البيع، ولأن الأصل عنذنا أن كل عقد نهي لأجل غيره، فالنقصان إذا ورد من النهي فإنما يرد في ذلك الغير لا في العقد، وعلى هذا ما روي عنه - عليه السلام - أنه قال: " المحرم لا ينكح ولا ينكح " إذ النهي عن النكاح إنما هو لمكان الإحرام ليس لمكان النكاح؛ ولذلك نقول بجواز نكاح المحرم وبفساد الحج إذا جامع بذلك النكاح؛ لأن النهي إذا لم يكن لنفس العقد لم يستقم فساد العقد والنهي ليس من أجله، واللَّه أعلم.
ثم لما قال: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) لم يقل: إلى الجمعة، ولا: لها؛ دل أنه قبل الجمعة