ذكر من العلامة، فكيف عير بهذه الأشياء، ولم يكن له في ذلك صنع، والمرء إنما يعير بماله فيه صنع لا بما لا صنع له فيه؟!
فيجاب عن هذا من وجهين:
أحدهما: ما ذكرنا: أن ذكره بما فيه من العيوب ليس لمكان المذكور نفسه، ولكن لزجر الناس عن اتباعه؛ لأن من اشتمل على العيوب التي ذكرها، وكان مع ذلك عتلا زنيما، فأنفس الخلق تأبى عن اتباعه، ففائدة تعييره بما أنشئ عليها ما ذكرنا من الحكمة لا تعييره.
والثاني: أن ذكر أصله كناية عن سوء فعله؛ ليعلم أن خبث الأصل يدعو الإنسان إلى تعاطي الأفعال الذميمة، وصحة الأصل وحسنه ونقاوته يدعو صاحبه إلى محاسن الأخلاق وإلى الأفعال المرضية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤).
فيخبر أن من يتبعه، يتبعه لكثرة أمواله وبنيه؛ وذلك لأن كثرة المال للإنسان مِن أحد ما يستدعي قلوب الخلق إلى تعظيمه، فذكر ما فيه من العيوب والمساوئ؛ لئلا يستميل قلوب الضعفة إلى نفسه بماله، فيقول: كيف تتبعونه وهو بهذا الوصف الذي وصفه الله تعالى؟!
ثم أخبر عن معاملته رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) ثم قوله: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، وإن كان عامًّا بظاهره، لكن لم يرد به العموم؛ لأن قوله: (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، ليس في كل الآيات، وإنما هو في الآيات التي هي في حق الإخبار عن الأمم السالفة، وأما إذا تليت عليه الآيات التي فيها دلالة إثبات الرسالة ودلالة التوحيد ودلالة البعث، فقوله فيها ما قال في سورة المدثر: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)، وهذا دليل على أنه لا يجب اعتقاد ظاهر العموم ما لم يعلم بيقين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦).
قيل: شَيْنًا لا يفارقه، فجائز أن يكون جعل هذا في الدنيا؛ لكي يعلمه ويذكره من رآه فيجتنب صحبته؛ فهو يصير شَيْنًا من هذا الوجه؛ فيخرج هذا مخرج العقوبة لشدة تعنته


الصفحة التالية
Icon