المحيي والمميت، ولا يستقيم أن يقال: إن شاء حيا وإن شاء مات، وإن كان هو الذي خلقهما.
ثم ليس في قوله: (إِذْ أَقْسَمُوا): إبانة أن قسمهم كان بماذا: فإن كان بغير اللَّه تعالى، ففيه إبانة أن القسم قد يكون بغير اللَّه تعالى، وإن كان قسمهم باللَّه تعالى، ففيه حجة لأبي يوسف على أبي حنيفة - رحمهما اللَّه - أن اليمين إذا كانت مؤقتة فإن هلاك الشيء المحلوف بها قبل مضي وقتها لا يسقط اليمين، بل تبقى بحالها، ويلزم على صاحبها حكم الحنث إذا مضى وقتها؛ لأن الثمر الذي حلفوا على صرمه قد هلك قبل الوقت الذي أوجب فيه الصرم، فلو كانت اليمين تسقط عنهم بهلاك الثمر، لم يكونوا يحتاجون إلى الاستثناء؛ لأن الحاجة إلى الاستثناء لإسقاط المؤنة التي تلزمهم بالحنث في اليمين، فلو كان هلاك الثمر مسقطا لليمين ومؤنة الحنث لاستغنوا عن الاستثناء، فلما لحقتهم اللائمة؛ لتركهم الاستثناء، دل أن المؤنة تبقى عليهم إذا عَرِيَتْ عن الاستثناء وإن كانت مؤقتة.
ولكن أبو حنيفة - رحمه اللَّه - يسقِط عنه اليمينَ بهلاك الشيء المحلوف عليه إذا كانت يمينه باللَّه تعالى، ولا يسقطها إذا كانت بشيء من القرب والطاعات -أعني: الندب-، وليس في الآية إبانة أن يمينهم كانت باللَّه تعالى؛ فجائز أن يكون يمينهم بشيء من القرب؛ فبقيت عليهم؛ ولأنه عاتبهم على ترك الاستثناء؛ لعزمهم على المعصية، والاستثناء يسقط العزيمة؛ لأن من عزم على المعصية، وقال فيه: إن شاء اللَّه - لم يصر آثما بمقالته، ولا صار عازما على المعصية، وأبو حنيفة - رحمه اللَّه - ليس يخرجه عن المعصية في اليمين المؤقتة إذا عقدت على أمر من أمور المعصية.
والذي يدل على أن العتاب في ترك الاستثناء؛ للوجه الذي ذكرنا: أنه لم يذكر في شيء من الأخبار، ولا ذكر في الكتاب أن أحدا منهم أمر بالتكفير، ولو كان الحنث لازما، لكانوا يلامون على ترك التكفير أيضًا، كما لحقتهم اللائمة بترك الاستثناء، واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon