ثم لقائل أن يقول في قوله: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) أخبر أنه جاء فرعون إلى موسى وعصاه كيف ذكر مجيء فرعون إلى موسى، ولم يوجد منه المجيء إلى الرسول، بل الرسول هو الذي جاء فعصاه فرعون، لا أن فرعون أتاه، فاستقبله بالعصيان؟
قيل: إن كل من أتى آخر وجاءه، فقد أتاه الآخر، ومن قرب إلى الآخر، فقد قرب الآخر إليه؛ لأن المجيء فعل مشترك؛ لأنه اسم الالتقاء، وإنَّمَا يقع الالتقاء بهما جميعًا ليس بأحدهما؛ فلذلك استقام إضافة المجيء إلى فرعون، وعلى هذا تأويل قوله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، أي: قربت للمتقين، وأهلها هم الذي يقربون إليها في الحقيقة، ولكنهم إذا قربوا إليها، فقد قربت هي إليهم، فأضيف إليها التقريب لهذا؛ فعلى هذه العبارة يمكن أن يتأول قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ)، أي: أتاه الخلق، لا أن يكون هو الذي يأتيهم؛ لأنه قال: (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ)، وقال: (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)، (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، فأخبر أن الخلق هم الذين يأتونه، ويرجعون إليه، ولكن نسب المجيء والإتيان إلى اللَّه تعالى؛ لأنهم إذا أتوه فكأنه قد أتاهم من الوجه الذي ذكرنا دون أن يكون فيه إثبات الانتقال في اللَّه تعالى.
والثاني: أن اسم المجيء وإن أطلق واستعمل في المجيء إلى مكان من مكان، فقد يستعمل أيضًا في الموضع الذي ليس فيه حركة ولا انتقال؛ قال اللَّه تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ)، ومعناه: ظهر الحق، ليس أن الحق كان في موضع فانتقل عنه إلى غيره؛ فأمكن أن يكون قوله: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ) أي: كذب بما أنزل على موسى، عليه السلام.
وجائز أن يكون قوله: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ) أي: جاء بالخاطئة؛ فيكون المجيء مصروفًا إلى الخطايا، وهذا التأويل أملك بظاهر الآية؛ لأنه قال: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ)، أي: جاءوا بالخطايا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (١٠).
أي: عالية؛ حيث علت أبدانهم.
وجائز أن يكون المراد منه: أن عقوبتهم ربت على الأخذ أي: زادت على الأخذ؛


الصفحة التالية
Icon