مسكنًا لأهلها، وبسط الأرض مسكنًا لأهلها، حتى إذا عرفوا هذا عرفوا أن له أن يفضل بعضًا على بعض، وله أن يصطفي من يشاء من الناس للرسالة ويختص بها.
وذكرهم - أيضًا - حكمته وعلمه وقدرته وسلطانه حيث وضع سماء على سماء، وخلقهن طباقًا من غير عمد تحتها تمسكها، أو علائق من فوقها تربطها، فتبين أنه يمسكها بحكمته وقدرته وسلطانه؛ فيكون في ذكر كل وجه مما ذكرنا إزالة الشبهة التي اعترضت لهم في أمر البعث والرسالة وإيضاح بأن من قدر على ما ذكرنا لقادر على الإعادة بعد الإفناء.
وقيل: المعارج: المعالي، أي: الذي له العلو والرفعة، كما قلنا في قوله: الحمد لله، أي: لا أحد يستحق الحمد في الحقيقة، وما حمد أحد إلا وذلك في الحقيقة لله - تعالى - لأنه به استفاده، فعلى ذلك قولنا: له العلو والرفعة، أي: ليس أحد يستفيد العلو والكرامة إلا وحقيقة ذلك لله - تعالى - لأنه استفاده به.
والثاني: أي: هو الموصوف بالعلو والجلال عما يقع عليه أوهام الخلق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) يحتمل أن يكون معنى قوله: (تَعْرُجُ) ليس عن هبوط يصعد ويعرج، لكن أنشأهم كذلك معروجين؛ كقوله: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ)، أي: أنشأهم كذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا)، ليس أنها كانت في موضع منحط فرفعها، لكنه كذلك خلقها مرفوعة؛ فعلى ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ)، أي: أنشأهم كذلك ليستعملهم (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
ووجه آخر -وهو الأشبه بالآية-: وهو ما قالوا: إن الملائكة تعرج إليه؛ أي: إلى الموضع الذي منه أرسلهم إلى أنواع الأمور في يوم لو قدر ذلك العروج بعروج البشر