قالوا: وتصديقه أن أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانوا إذا صلوا صلاة داموا عليها، وكانوا يقولون: " خير العمل، أدومه وإن قلَّ ".
وأصله: أن اللَّه تعالى قال: (وَأَقَامُوا)، والإقامة على الشيء هي الدوام عليه؛ لأنه إذا فعل الشيء مرة ثم تركه، لم يوصف بالإقامة عليه؛ فقوله: (دَائِمُونَ) و (ويُقِيمُونَ)، يقتضي معنى واحدا؛ فيكون فيه إبانة أن الصلاة يلزم فعلها مرة يعد مرة، وليست كالفرائض التي إذا أديت مرة، سقطت؛ من نحو الجهاد، والحج.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) قيل: هو الزكاة، ذكر ذلك عن قتادة وغيره.
وقال أبو بكر: هذا غير محتمل؛ لأن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة عليهم بعد هجرتهم إلى المدينة.
ولكن ليس فيما ذكره دفع لهذا التأويل؛ لأنه يجوز أن تكون الزكاة لم تفرض عليهم؛ لما لم يكونوا أصحاب أموال؛ لأن الزكاة لم تكن مفروضة في الجملة، وبين الوجوب إذا استفادوا الأموال؛ ألا ترى أن الفقير قد يعلم إيتاء الزكاة من المال وإن لم يكن له مال؛ ليقوم بأدائها إذا صار من أهلها؛ فقوله: (حَقٌّ مَعْلُومٌ) أي: أعلمه اللَّه تعالى في أموالهم، فلزمهم إخراجه، ثم بين أن خروجهم مما لزمهم من حق اللَّه تعالى في أموالهم بالدفع إلى السائل والمحروم.
وجائز أن يكون ذلك الحق المعلوم هو حق القرابة وغيره.
ومن ذكر أن هذا الحق غير الزكاة، قالوا: إنهم كانوا أُعْلِموا في أموالهم حقًّا، فجعلوا طائفة منها للسائل، وطائفة للمحروم؛ لذلك سماه: حقا معلوما.
ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت شيئا معلوما مفروضا عليهم في أموالهم نسخته آية الزكاة، ولم يذكر لنا ذلك؛ لعدم حاجتنا إليه.
ثم السائل معروف، وهو الذي يسأل.


الصفحة التالية
Icon