فيه، فلما آثروا ذلك واختاروه من غير أن يؤذن لهم، عاقبهم بالخوف الدائم إما من الافتضاح والاطلاع على ما في قلوبهم أو من الهلاك، واللَّه أعلم.
وقوله: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)، له أوجه من التأويل:
أحدها: أن يقول: هم العدو، يعني: أنهم أدنى عدوكم؛ فاحذرهم في جميع أحوالهم في المطعم والمشرب وغيره؛ لأن الحذر عمن قرب من الأعداء ودنا أوجب ممن بعد ونأى.
أو احذرهم أن تطلعهم على سر فيما تراه وتضمره من الجهاد والحرب؛ فيحتالون به على هلاكك، أو يطلعون الكفرة على سرك.
أو احذرهم أن تقبل منهم قولا يقولونه عن أصحابك؛ لأنهم يغرون أصحابك عليك، فاحذرهم أن تقبل قولهم على أصحابك.
وقوله: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ) يعني: لعنهم.
وقوله: (أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، له تأويلان:
أحدهما: أن يقول: أي سبب يمنعهم عن الإيمان بك وطاعتك، وقد أتيتهم بالآيات والحجج في اطلاعك على سرائرهم، وذلك لا يكون إلا عن الوحي.
أو يقول: (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يعني: أنى يكذبون؛ تقليدا لأُولَئِكَ الكفرة من غير أن يظهر لهم في ذلك آية وحجة، ولا يقلدون البرهان والحجة فيتبعونك، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥).
ظاهر هذه الآية أن هذا القول منه إنما كان لجملة المنافقين، وكذلك قوله تعالى: (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ).
وروى في الخبر أن هذه الآية نزلت في عبد اللَّه بن أبي ابن سلول المنافق؛ لأنه روي أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان كلما قام يوم الجمعة قام عبد اللَّه بن أُبي ابن سلول في ناحية المسجد، وقال: هذا رسول اللَّه، فوقروه، وعظموه، حتى نزلت هذه السورة، فقال بمثل مقالته، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " اجلس يا كافر؛ فإن اللَّه تعالى قد فضحك "، قال: فخرج من المسجد قبل أن يصلي الجمعة، فاستقبله بعض القوم فسألوه عن خروجه من المسجد قبل أداء الجمعة، فأخبرهم عن القصة، فقالوا: ارجع إلى رسول اللَّه وسله أن يستغفر لك، فلوى رأسه وقال: ما لي إلى استغفاره حاجة.
وروي أنه لما قال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، ثم أراد دخول المدينة من بعد هذه المقالة، فحبسه ابنه وقال: لا أدعك تدخلها ما لم تقر أنك الأذل وأن