وفي الشمس الضياء؛ لأن القمر يكون في وقت الحاجة إلى النور، وذلك في ظلمة الليل، ثم اللَّه تعالى أنشأ الليل لنسكن فيه، لكن قد يبدو للخلائق بالليل حوائج يحتاجون إلى قضائها؛ فمن اللَّه تعالى عليهم بنور القمر؛ ليتوصلوا بنوره إلى قضاء حوائجهم، وجعل الشمس ضياء؛ ليختطف ضوءها نور الليل، ويغلب عليه، ولا يختطف نور النهار نور الشمس، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧):
جائز أن يكون أضاف الإنبات إلى الأرض، ويرد ذلك إلى الأصل الذي خلق من التراب، وهو آدم - عليه السلام - فنسب الفرع إلى الذي منه خلق الأصل؛ لحدوثه منه، لا أن يكون خلق الجملة من التراب، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)، والذي لنا في السماء هو المطر لا الذي يرزق به، ولكن الذي يرزق به أصله المطر، فنسب إلى المطر؛ لأنه هو الأصل الذي يتوصل به إلى الإرزاق؛ فكذلك الخلائق لما كانوا من نسل آدم - عليه السلام - وكان هو أصلا لهم، أضيف النسل إلى الأصل؛ الذي حدث منه الأصل.
ويحتمل أن يكون يرجع هذا إلى كل في نفسه؛ وذلك لأن حياة الأبدان وقوامها بالذي يخرج من الأرض، وينبت منها من أنواع الأغذية، فإذا كان قوامها بما ينبت منها، فكأنما أنبتنا منها؛ فاستقام أن يضاف الإنبات إليها، كما يستقيم أن يضاف خروج الثمار إلى الأرض وإن كان حدوثها من الأشجار؛ إذ قوام الأشجار وبقاؤها بها؛ فنسب ما يخرج منها إلى الأرض على التقدير الذي ذكرنا.
ففي قوله: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا) على التأويل الأول إثبات القدرة على البعث وإلزام الحجة على من يجحد كونه؛ لأنه يذكرهم قدرته أنه أنشأهم من الأرض، ولم يكونوا شيئا، فمن قدر على إنشائهم من الأرض بعد أن كانوا ترابا، لقادر على أن