يعيدهم إلى الحالة التي كانوا عليها من كونهم بشرا سويا، وإن صاروا عظاما ورفاتا؛ لأنهم كانوا يزعمون أن كيف يعادوا خلقا جديدا بعد أن صاروا ترابا، فاحتج عليهم بأمر الابتداء من الوجه الذي ذكرنا.
وإن كان على التأويل الثاني، ففيه تذكير نعمه: أن قد أخرج لهم من الأرض ما يتعيشون به، ويقيمون به أودهم، أو يستأدي منهم الشكر، وفيه تذكير قوته وسلطانه؛ ليخوفهم عقابه فيتعظوا ويتقوا سخطه، ويطلبوا مرضاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (١٨)، فجمع يين الإعادة والإخراج بحرف الجمع: وجعل قوله عَزَّ وَجَلَّ (وَيُخْرِجُكُمْ) في موضع " ثم "؛ لأن هذا الإخراج يكون بعد الإعادة إلى الأرض، فيكون في هذا دليل أن أحد الحرفين وهو " الواو " قد يستعمل مكان " ثم ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩).
أي: جعلها كالشيء المبسوط الذي ينتفع ببسطه، ولو لم يجعلها كذلك، لم يتوصلوا إلى حوائجهم، ولا الانتفاع بها، ففي ذكر هذا تذكير بما لله تعالى عليهم من عظيم المنة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠):
قيل: الفجاج: هي الطرق الواسعة.
وقيل: السبل في السهل، والفجاج: الطرق في الجبال، وهذا - أيضا - من عظيم نعم اللَّه تعالى على عباده؛ لأن اللَّه تعالى قدر أرزاق الخلق في البلاد، فلو لم يجعل لهم في الأرض سبلا، لم يجدوا طريقا يسلكونه، فيتوصلون به إلى ما به قوام أبدانهم؛ فصارت الطرق المتخذة لما نسلك فيها، فنصل إلى حوائجنا وإلى معايشنا: كالدواب التي سخرت لنا؛ فنتوصل بها إلى حوائجنا، وهذا يبين لك أن ملك أقطار الأرض وتدبيرها يرجع إلى الواحد القهار؛ لأنه أحوج الخلق إلى الانتشار في البلاد؛ لإقامة أودهم، وجعل لهم سببا يتوصلون به إلى ذلك؛ فثبت أن مالك الأقطار واحد.