ومنهم من ذكر أن جسد آدم - عليه السلام - كان عند نوح - عليه السلام - يترك كل مؤمن في زمانه أن يدخل فينظر إلى جسد آدم عليه السلام ومن لم يكن مؤمنا لم يدعه أن ينظر إليه، فجاء إبليس إلى الكفار فقال: أيفخر نوح ومن آمن به عليكم بجسد آدم وأنتم كلكم ولده؟ فصنع لكل قوم صنما على صورة آدم - عليه السلام - فكانوا يعبدون تلك الصورة.
ويحتمل أن يكون الذي بعثهم على ذلك هو أنهم لم يروا أنفسهم تصلح لعبادة رب العالمين، كما يرى هَؤُلَاءِ الذين يخدمون الأجلة في الشاهد لا يطمع كل واحد منهم في خدمة الملوك، ولا يرى نفسه أهلا لخدمتهم، بل يشتغل بخدمة من دونه أولاً؛ على رجاء أن يقربه إلى الملك، فكذلك هَؤُلَاءِ حسبوا أنهم لا يصلحون لخدمة رب العالمين، فكانوا إذا رأوا شيئا حسنا كانوا يظنون أن حسنه لمنزلة له عند اللَّه تعالى لا غير، فكانوا يقبلون على عبادته؛ رجاء أن يقربهم إلى اللَّه تعالى، فجعلوا الأصنام على أحسن ما قدروا عليه ثم اشتغلوا بخدمتها وعبادتها؛ رجاء أن تقربهم إلى اللَّه تعالى، كما قال - عَزَّ وَجَلَّ - حكاية عنهم: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) وقال: (وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، فجائز أن يكون هذا الحسبان هو الذي حملهم على عبادتها وتعظيم شأنها، واللَّه أعلم أي ذلك كان!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤) جائز أن يكون أريد به الكبراء أنهم أضلوا كثيرا، أي: دعوا إلى الضلال، وزينوه في قلوبهم فأضلوا سفهاءهم بذلك.
وجائز أن يكون أريد به الأصنام، ولكن حقه إن كان على الأصنام أن يقول: " وقد أضللن كثيرا "؛ كما قال إبراهيم - عليه السلام -: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)، ولكن الإضلال من فعل الممتحنين، والأصنام ليست لها أفعال، فلما نسب إليها نسبة من يوجد منه الفعل، أخرج الخطاب على الوزن الذي يخاطب به من يوجد منه هذا الفعل؛ وهو كقوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا)، فأضاف إلى القرية فعل أهلها، والفعل إذا أضيف إلى الأهل، أضيف بلفظ التذكير، ثم أنث هاهنا؛ لإضافة فعل الأهل إلى القرية، ولو كانت القرية بحيث يكون منها الفعل لكان