لحما، فليس في الآية دلالة ما ذكر.
بل فيها أن الجن قد امتحنوا بالعبادة كما امتحن بها الإنس، وأنهم إذا عصوا ربهم استوجبوا العقاب مثل ما يستوجبه الإنس.
ثم ذكر عن أبي حنيفة - رحمه اللَّه - أنه قال: ليس للجن ثواب، وعليهم العقاب إذا عصوا.
ومعنى قوله: ليس لهم ثواب عندنا، ليس يريد به أن اللَّه تعالى لا يرضى عنهم إذا عبدوه، ولا تعظم منزلتهم عنده، ولكنه يريد به أن الذي وعد للإنس من المآكل والمشارب والأزواج الحسان والحور في الجنة على الخلود - ليس لهم فيها؛ لأن الوعد من اللَّه تعالى بها جرى للإنس، ولم يجر الوعد للجن، ولا ذكر ذلك في شيء من القرآن، والذي وعد به الإنس طريقه الإفضال والإنعام، لا أن يكون ذلك حقًّا للإنس قِبَلَه، فإذا لم يجر لهم الوعد بذلك، لم يجب القول لهم بالموعود.
وأما العقاب فإن الحكمة توجب التعذيب لمن كفر به؛ فلا يجوز أن تكون الحكمة توجب تعذيب الكفرة، ثم لا يعذب الجن إذا كفروا؛ فلذلك وجب القول بعقابهم، ولم يجب القول بالثواب، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) اختلف فيه:
فمنهم من قال: طريقة الهدى.
ومنهم من قال: طريقة الكفر.
فمن قال: المراد: هو طريقة الهدى، قالوا: إن الطريقة المعروفة المعهودة هي طريق اللَّه تعالى، فعند الإطلاق، تنصرف إليه؛ كالدِّين متى ذكر مطلقا ينصرف إلى دين الحق، ؛ كذلك: السبيل المطلق؛ قال الله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، وهو الإسلام.
ثم يخرج هذا على وجوه:
أحدها: ينصرف إلى الكفرة أنهم: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ)، أي: لو أجابوا إلى ما يدعون إليه من الهدى (لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)، أي: وسعنا عليهم العيش، وكثرنا أموالهم، ويكون ذكر الماء هاهنا كناية عن السعة؛ لأن سعة الدنيا كلها تتصل بالماء، والماء أصلها؛ قال اللَّه تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)، فأخبر أن رزق الخلق في السماء، والذي ينزل من السماء الماء، وهو المطر، وجعل ذلك رزقا، إذ هو


الصفحة التالية
Icon