منه اشْتَقَّ تلك الأسماء، فذكر أسمائه يحدث له ما ذكرنا من الفوائد والعلوم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا).
التبتل هو الانقطاع إلى اللَّه تعالى، وأن يقطع نفسه من شهواتها، ويصرفها عن لذاتها؛ فكأنه قال: وتبتل إليه، وبتل نفسك تبتيلا من الشهوات واللذات؛ ولذلك سميت مريم - رضي اللَّه عنها -: البتول؛ لأنها قطعت نفسها عن منافع الدنيا، وأقبلت إلى الآخرة، وانقطعت إليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩).
قال أبو بكر الأصم: تأويله: ملك المشرق والمغرب، وحقه أن يقال: مالك المشرق والمغرب؛ لأنه هو المالك على التحقيق.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الرب هو المصلح، ثم خص المشرق والمغرب بالذكر وإن كان هو مالكهما ومالك الخلائق أجمع؛ لأن ذكر المشرق يقتضي ذكر السماوات والأرضين، وفي ذكر السماوات والأرضين ذكر أعلى العليين وأسفل السافلين؛ لأنه إذا نظر إلى المشرق ورأى ما يطلع في المشرق من عين الشمس، ثم تجري في أقطار السماء، وتقطع كل يوم مسيرة ألف عام، ثم تغرب في عين حمئة؛ فتصير إلى أسفل السافلين، وتجري كذلك حتى تصل إلى مطلعها، ثم تطلع هنالك؛ فدل ذلك على أن مدبر السماوات والأرضين ومنشئهما واحد، وأن سلطانه في الأرض كسلطانه في السماء، ويعلم أن من بلغت قدرته هذا المبلغ في أن يسير عين الشمس في يوم واحد مسيرة ألف عام ما يشتد على الخلق قطع هذه المسافة في مدد كثيرة - لا يجوز أن يعجزه شيء، ودل على أن ملكه دائم لا ينقطع؛ لأن عين الشمس تجري في كل يوم، على ما سخرت، لا تتبدل، ولا تتغير باختلاف الأزمنة والأوقات، وجعل منافع أهل الأرض متصلة بمنافع السماء، ولو لم يكن مدبرهما واحدا لارتفع الاتصال، وانقطعت منافع السماء عن أهل الأرض؛ فكان في ذكر المشرق والمغرب دلالة وحدانيته، وإظهار قوته وسلطانه، والوقوف على عجائب حكمته ولطائف تدبيره.
ثم تخصيص ذكر المشرق والمغرب دون السماء والأرض؛ هو - واللَّه أعلم - لأن هذا أوصل إلى معرفة التوحيد، وأسرع إلى الإدراك من ذكر السماوات والأرض، وإن كان