أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)، ولم يقتضِ قوله: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) كونهم في الظلمات، ولا اقتضى قوله: (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) كونهم في النور، فيخرجهم منه، وإن كان في الظاهر يؤدي ذلك؛ فعلى ذلك قوله: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) وإن كان في الظاهر يقتضي حيلولة ومنعا، فليس في الحقيقة إثبات منع.
ويذكر غير هذا في سورة المدثر.
ثم قوله: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) معناه: لا تجازهم بصنيعهم، ولا تستعجل عليهم بالدعاء؛ بل أمهلهم قليلا (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ).
وقيل في الفرق بين النِّعَمة والنَّعْمَةِ: إن النَّعْمَة ما يعطى للعبد إرادة استدراجه فيها وهلاكه، كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ)، والنعم هي منة اللَّه تعالى على عباده؛ تفضلا عليهم، كقوله، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)، واللَّه أعلم.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (١٣).
قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأنكال هي السلاسل والقيود.
وقال أبو بكر الأصم: الأنكال: ما ينكل به ويعتبر به غيره؛ قال اللَّه تعالى: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً)، تأويله ما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى أيضا.
فإن كان على ما ذكره أبو بكر الأصم فقد يكون في الدنيا، ويكون منصرفا إلى يوم بدر وكأن الأول أشبه.
والجحيم: هو معظم النار.
ثم في هذه الآية دلالة نبوة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وآية رسالته، لأن قوله: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا) وراجع إلى قوله: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)، فإن لهم لدينا أنكالا وجحيما، وإنما ينكلون ويعذبون بالجحيم إذا ماتوا على الكفر؛ ففيه إبانة أنهم يموتون وهم كفار، وعلى ذلك ماتوا، وختم أمرهم، ولم يُسلم منهم أحد؛ فيخرج ما أخبر عن غيب كما أخبر، وذلك لا يعلم إلا باللَّه - تعالى - فثبت أنه لم يخترعه من تلقاء نفسه، بل علم


الصفحة التالية
Icon