يسمى الوابل.
وقال أبو بكر: اسم لكل معضلة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧) فهو يحتمل أوجها:
أحدها: أي: كيف تتقون النار في الآخرة إذا سلكتم في الدنيا سبيلها -وهو الكفر- وأنتم تعلمون أن من سلك طريقا لشيء ولا منفذ لذلك الطريق إلا إلى ذلك الشيء؛ فإنه يرد عليه لا محالة.
أو كيف تتقون النار في الآخرة، وقد تركتم القيام بما عليكم من شكر النعم.
أو كيف تتقون العذاب في الآخرة وأنتم تدفعون إليها، وتضطرون بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ)، وبقوله: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ)، وبقوله: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ)، وقد مكنتم في الدنيا من الإيمان باللَّه تعالى، ومكنتم من الانتهاء عن الكفر، ثم لم تنقلعوا عنه، فأنى يتهيأ لكم المخلص من عذابه، وأنتم تدفعون إليه.
أو كيف تنتفعون بإيمانكم في الآخرة، ولم تؤمنوا في الدنيا، وقد مكنتم به.
والأصل أن دار الآخرة ليست بدار لاستحداث الأسباب، وإنما هي دار وقوع المسببات؛ فهم إذا لم يستحدثوا الأسباب التي جعلت لدفع العذاب في الدنيا، لم يمكنوا من استحداثها في الآخرة فينتفعوا بها، ولم يكونوا أهلا لوقوع المسببات؛ لما لم يستحدثوا الأسباب في الدنيا، وإنما قلنا: إنها ليست بدار محنة وابتلاء؛ لأن المحنة؛ لاستظهار الخفيات، والثواب والعقاب قد شوهد وعوين؛ فإذا قيل: إذا فعلت كذا، دخلت النار وهو يعاين النار، ويراها، فهو يمتنع عن الإقدام على ذلك الفعل، وإذا قيل له: إذا آمنت باللَّه تعالى أكرمت بالجنة، وهو يشاهد الجنة، ويراها، فهو يؤمن لا محالة؛ فلا وجه للابتلاء في الآخرة؛ بل هي دار وقوع المسببات يعني: الثواب والعقاب؛ والذي يدل على هذا قوله؛ (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا)، فأخبر أنهم يشيبون لا بسبب المشيب، والمشيب في الدنيا لا يوجد إلا بعد وجود سببه، وهو الكبر ليعلم أن الدار الآخرة ليست بدار استحداث الأسباب؛ فما يستحدثون من الإيمان باللَّه تعالى لا ينفعهم في ذلك اليوم، ولا يقيهم من عذاب اللَّه تعالى.


الصفحة التالية
Icon