وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) جائز أن يكون هذا على التحقيق، فيشيب الولدان لهول ذلك اليوم، ويصير الشيب سكارى؛ لشدة هوله؛ كما قال تعالى: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى).
وجائز أن يكون على التمثيل، لا على تحقيق الشيب، فمثله به؛ لعظم ذلك اليوم، وشدة هوله، وقد يجوز أن يمثل الشيء بما يبعد عن الأوهام تحقيقه؛ على تعظيم ذلك الشيء، كقوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا)، فذكر هذا على التمثيل؛ لعظم ما قيل فيه، لا على تحقيق الانفطار والانشقاق.
وجائز أن يكون معناه: أنه لولا أن اللَّه - تعالى - بعثهم للإبقاء وألا يتغيروا، ولا يتفانوا، وإلا كان هول ذلك اليوم يبلغ مبلغا يشيب به الولدان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (١٨).
أي: بما يجعل الولدان شيبا، وهو هول ذلك اليوم، وشدة فزعه.
أو منفطر بالغمام.
وقيل: منفطر باللَّه، أي: بقضائه وحكمه، واللَّه أعلم.
ثم قال: (مُنْفَطِرٌ بِهِ)، ولم يقل: " منفطرة "، والسماء مؤنث؛ فذكر الزجاج: أن معنى قوله: (مُنْفَطِرٌ بِهِ)، أي: ذات انفطار، فعبر بها كما يعبر عن الذكور؛ كما يقال: امرأة مرضع، أي: ذات إرضاع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا):
أي: الذي وقع به الوعد مفعول، لا أن يكون الوعد هو المفعول، وكذا قوله: (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)، والوعد لا يؤتى، بل الموعود هو الذي يؤتى، ولكن نسب الموعود إلى الوعد؛ لأنه من آثاره، وهذا كما يقال: المطر رحمة اللَّه، أي: برحمة اللَّه ما أمطروا، لا أن يكون المطر رحمته، ويقال: الصلاة أمر اللَّه، أي: بأمر اللَّه ما تقام، لا أن تكون أمره الذي يوصف به؛ فكذلك الموعود نسب إلى الوعد؛ إذ بالوعد ما استوجبوا، لا أن يكون الوعد هو المفعول وهو المأتي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ... (١٩).
جائز أن يكون قوله: (هَذِهِ) منصرفا إلى الأهوال التي ذكرها فيكون ذكرها تذكرة.


الصفحة التالية
Icon