فكذلك ذلك الثوب الذي تدثر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا وافق حال نزول الوحي عظم شأنه من ذلك الوجه؛ فنسب إلى ذلك الثوب.
ثم المرء إنما يتدثر عندما يريد أن ينام، أو عند طلب الراحة، وليست تلك الحالة حالة يستحب المرء مصاحبة الكبراء العظماء في مثل تلك الحال، فضلا من أن يصحب الملك في مثل تلك الحال؛ فيكون في هذا دلالة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لم يطلع على الأوقات التي كان يأتي فيها الوحي، وإذا لم يعلم كان الأمر عليه أصعب وأشد منه إذا بين له؛ لأنه إذا لم يبين له، لزمه أن يصون نفسه في الحالات كلها عن أشياء يستحي مع مثلها الخلوة بالملائكة؛ ولهذا لم يبين لأحد منتهى عمره؛ ليكون أبدا مستعدا للموت؛ فرقا أن يحل به ساعة بعد ساعة، ويكون أبدا على خوف ووجل من ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) خص النذارة دون البشارة، وقد كان هو نذيرا وبشيرا، ففي ذكر النذارة ذكر البشارة وإن أمسك عنها؛ لأن النذارة ليست ترجع إلى نفس الخلائق؛ وإنما النذارة هي تبيين عواقب ما ينتهي إليه حال من التزم الفعل المذموم؛ فإذا استوجب النذارة بالتزامه ذلك الفعل، فقد استوجب البشارة في تركه؛ فثبت أن في النذارة بشارة، وفي البشارة نذارة أيضا؛ فاقتصر بذكر إحداهما عن ذكر الأخرى، وليس في قوله: (قُمْ) إلزام قيام؛ ولكن معناه: قم في إنذار الخلق وبشارتهم، على ما ينتهي إليه وسعك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣).
أي: عظم، وتعظيمه: أن يجيبه فيما دعاه إليه، ويطيعه فيما أمره، وأن يتحمل ما ألزمه عمله، فذلك هو تعظيمه لا أن يقول بلسانه: " يا عظيم " فقط.
وجائز أن يكون تأويله: أن عظمه عن المعاني التي قالت فيه الملاحدة من أن لله تعالى ولدا، وأن له شريكا، ونزهه عنها.
أو عظم حقه أو شكر نعمه، وهذا كما نقول: إن محبة اللَّه تعالى طاعته وائتمار أوامره، لا أن تكون هي شيئًا يعتري في القلب؛ فيصعق منه المرء، ويغشى عليه؛ فكذلك تعظيم اللَّه تعالى يكون بالمعاني التي ذكرنا، لا أن يكون بالقول خاصة.