إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨):
(نُقِرَ): أي: نفخ، و (النَّاقُورِ): الصور، وهي كلمة كتب الأولين ذكرها هنا، (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)، وقال في موضع آخر: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)، وقال في موضع آخر: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً).
فجائز أن يحمل هذا كله على التحقيق؛ فتتحقق الصيحة والزجرة والنقرة، ثم تعقبها الساعة.
وجائِز أن يكون هذا على التمثيل؛ فيكون فيه إخبار عن سهولة ذلك الأمر وهونه على اللَّه تعالى؛ لأن اللمحة والزجرة والنفخة والنقرة أمر سهل، لا يشتد على أحد.
أو يكون على تقصير الوقت على الذين ينفخ فيهم الروح، أي: الأرواح ترد عليهم في قدر النفخة، والزجرة، والصيحة؛ خلافا لأمر النشأة الأولى؛ لأنه في النشأة الأولى إنما نفخ فيه الروح بعد كونه نطفة في بطن أمه أربعين يوما، ثم علقة، ثم مضغة كذلك القدر من المدة، ثم نفخ فيه الروح بعد مدد وأوقات، وفي النشأة الأخرى ينفخ الروح بالقصر من المدة، وذلك قدر النفخة والزجرة والصيحة واللمحة، واللَّه أعلم.
وإنما قلنا بأن التأويل قد يتوجه إلى التمثيل دون التحقيق، وإن ذكر في بعض الأحاديث تثبيت الصور والناقور؛ لأنها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد يوجب علم العمل، ولا يوجب علم الشهادة، وفي تحقيق الصور والناقور ليس إلا الشهادة؛ لذلك لم يحصل الأمر على التحقيق والقطع لئلا نقطع الحكم على الشهادة.
ثم قد ذكرنا أن قوله: " إذا " جواب سؤال واقع عن تبيين وقت؛ كأنه قيل له: فاصبر إلى أن ينقر في الناقور.
أو يكون جوابا لقوله: (قُمْ فَأَنْذِرْ)، أي: أنذرهم عما يحل بأهل الشر من العذاب بنقر الناقور.


الصفحة التالية
Icon