فيريد به إظهار القوة من نفسه: أنه كافيه، وقادر على دفع شره عن نفسه؛ فيكون في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) دعاء من اللَّه تعالى إياه إلى ألا يتعرض له، ولا يجازيه بصنيعه؛ فإن اللَّه تعالى يكفيكه، ويدفع عنك شره.
أو يكون فيه نهي عن أن يدعو عليه بالهلاك والثبور، ويصبره إلى أن يأتيه أمر الله تعالى؛ فيكون في هذا مسلاة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وذلك أن المتنازعين إذا تنازعا في شيء، وحدث بينهما شر، فانتصب ثالث في نصر أحدهما خف الأمر على المنصور، ويفرح لذلك، ويسلو به، فإذا كان اللَّه تعالى هو الذي يقوم بنصر المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ويكفيه عن عدوه، كان ذلك أكثر في التسلي والتفرج؛ فيكون في هذا تمكين من الصبر الذي دعي إليه بقوله: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، وبقوله: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ...) الآية.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَلَقْتُ وَحِيدًا) أن يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: خلقته وحدي، ولم يكن لي في الخلق ناصر ومعين ولا مشير.
وجائز أن يكون معناه: أي: خلقته وحيدا، لا مال له، ولا ولد؛ فيكون في هذا وعيد وتخويف لذلك اللعين، أي: كيف لا يخاف أن يعاد إلى الحالة التي كان عليها يوم خلق بلا مال ولا ناصر؛ كقوله: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
وقوله - تعالى -: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢):
قيل: (مَالًا مَمْدُودًا)، أي: مالا لا ينقطع، بل يكون له مدد.
وذكر عن مجاهد أنه قال: كان ذلك ألف دينار.
وقال السدي: (مَالًا مَمْدُودًا) ثلاثة عشر ألفًا.
وقيل: أراد به ما جعل له من الضياع بالطائف، تثمر في السنة مرتين.
ولكن عندنا المال الممدود هو المتتابع الذي لا ينقطع مدده، والذي لا ينقطع مدده لا يقع تحت الإحصاء.


الصفحة التالية
Icon