وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣):
أي: حضورا، لا يغيبون، ويكون فيه وجهان من الحكمة:
أحدهما: أن ماله قد كثر؛ حتى لم يحتج إلى تفريق أولاده في الجمع والاكتساب؛ بل كان يأتيه سمحا، لا يحتاج إلى تكلف أسباب الجمع.
والثاني: أن غاية ما يراد ويتمنى ويلتمس من البنين هو أن يستأنس بالنظر إليهم، ويستعين بهم، ويستنصر إذا احتاج إلى ذلك؛ ففيه أنه قد نال مناه، ووصل إلى ما ترغب إليه النفوس من كثرة الأموال والأولاد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤)، أي: بسطت له في الدنيا بسطا.
وقيل: التمهيدة هو التمكين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥).
فجائز أن يكون طمعه منصرفا إلى الزيادة في الآخرة؛ كقوله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، فحسبوا أنهم إذا ساووا أهل الإيمان في الدنيا يساوونهم في الآخرة لو كانت الآخرة حقا؛ فكذلك هذا اللعين حسب أنه يبسط عليه نعيم الآخرة كما بسط عليه نعيم الدنيا؛ فكان قوله: (كَلَّا... (١٦) ردَّا عليه.
فإن كان على هذا، ففيه أعظم الدلالة على إثبات رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه أخبر أن ليس له نصيب في الآخرة؛ وإنَّمَا يحرم النصيب إذا ختم على الكفر كما قال، فكان. وهذا إخبار منه عن أمر الغيب، فصدق خبره، وخرج الأمر حقا كما قال؛ فثبت أنه باللَّه تعالى علمه.
وجائز أن يكون طمعه الزيادة في الدنيا؛ فقطع عليه طمعه بقوله: (كَلَّا).
وذكر أن ماله بعد نزول هذه الآية أخذ في الانتقاص إلى أن أهلكه اللَّه تعالى، ولم يزد شيئا؛ فيكون في هذا - أيضا - ما في الأول من إثبات الرسالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا):
في هذا تصبير لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن اللَّه تعالى أكثر نعمه عليه، ثم ذلك الملعون مع كثرة نعم اللَّه عليه وإحسانه إليه، عاند، ولم يطعه في أوامره؛ فكيف ترجو أنت منه في معاملته إياك مع معاملتك إياه بما يخالف مراده وهواه؟ فيكون فيه ما يدعوه إلى الصبر.