الأبد وأبعده من رحمته؛ حيث أخذ ماله في الانتقاص، وانقطعت مادة ماله، فهذا أثر اللعن في الدنيا، ووعد أن يصليه سقر، وأن سيرهقه صعودا، وذلك خزيه ولعنه في الآخرة، فظهرت، إحدى اللعنتين في الدنيا وتلحقه الثانية في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ نَظَرَ (٢١) جائز أن يكون نظر في كلمات القوم التي ألقوها فيما بينهم.
وقوله: (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) جائز أن يكون الذي حمله على العبوس والبسور هو ما ألقوا إليه المختلف من الكلمات، فعبس وجهه عليهم؛ لما في اختلافهم ظهور كذبهم.
أو يكون الذي دخل عليه من شدة الغيظ في أمر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أهمه وأحزنه، حتى أثر ذلك في وجهه، فعبس لذلك وجهه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣):
يحتمل أن يكون أدبر عن أُولَئِكَ القوم الذين اجتمعوا للتدبير، واستكبر عليهم.
أو أدبر عن طاعة اللَّه تعالى، واستكبر على رسوله؛ حيث أعرض عنه، ولم يجبه إلى ما دعاه إليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤):
أي: هذا الذي أتى به مُحَمَّد مما يؤثر من أفعال السحر.
أو هذا الذي يخبر أنه أتى به من عند اللَّه هو سحر يؤثر عمن تقدمه، ولكن قال هذا على علم منه أنه ليس بسحر.
قال الفقيه - رحمه اللَّه -: ولو كان الذي أتى به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سحرا كما قرفوه به، فهو لا يخرج من أن يكون حجة له في صدق مقالته وإثبات رسالته؛ لأنه لا وجه لمعرفة السحر من طريق الرأي والتدبير، وإنَّمَا سبيل الوصول إليه الإتقان والتلقن عن الغير، وقد علموا أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يلقنْه أحد، ولا وجد منه الاختلاف إلى من عنده علم ذلك، فوقع لهم الإيقان: أنه باللَّه تعالى علم لا بأحد من الخلائق؛ فيصير الذي قرفوه به من أعظم الحجة، ولكن اللَّه تعالى طهره عن السحر، ونزهه عن ذلك، وأمره بمعاداة السحرة حتى قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اقتلوا كل ساحر وساحرة "، وقال: " توبة الساحر ضربة