مَثَلًا)؟ ولكن لما وجد منهم ذلك القول نسب الجعل إليه، لا أن خلقوا لذلك الوجه؛ وهو كقوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)، نسب إليهما الالتقاط وإن كان الالتقاط لغير ذلك الوجه، وكذلك قال: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)، ومعلوم أن الإملاء لم يكن لازدياد الإثم، ولكن هم لما ازدادوا إثما، نسب الإملاء إليه، وإن لم يكن الإملاء لذلك الوجه، وكذلك يقال في الكلام السائر:
لدوا للموت وابنوا للخراب
ولا أحد يبني البناء للخراب؛ ولكن مصيره لما كان إلى الخراب نسب البناء إليه، وإن لم يكن البناء لذلك الوجه، ويقال: يسرق السارق لتقطع يده، ومعلوم أنه ليس يسرق للقطع، ولكن بسرقته إذن لزمه القطع ولأجلها ما قطع، نسب الفعل إليه، وإن كانت السرقة لغير ذلك الوجه؛ فكذلك العدة التي ذكرت في الآية جعلت فتنة بجهة واحدة، وهي التي ذكرناها، لكنه لما وجد من الكفرة ما ذكرنا نسب الخلق إلى ذلك الوجه، لا أن كان الجعل لذلك.
ولكنا نقول: لو كان الأمر على ما زعموا، أدى ذلك إلى إسقاط الربوبية؛ إذ في الحكمة: من عمل عملا يريد غير الذي يكون، أوجب ذلك جهلا بالعواقب، أو جعل عابثا في فعله، ومن هذا وصفه، لم يصلح أن يكون إلها، بل يكون جاهلا سفيها؛ ألا ترى أن من بنى شيئا يعلم أنه لا يكون - كان ذلك منه عبثا، وإذا كان غير الذي يريده كان جاهلا به.
فإذا ثبت هذا فنقول: لو أراد اللَّه من الكافر غير الذي كان منه، لكان فعله خارجا مخرج الخطأ، أو العبث؛ فثبت أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - شاء لكل فريق ما علم أن يكون منهم؛ فإذا علم من عبده أنه يؤثر الضلال على الهدى، فقد شاء له الضلال، وإذا علم أنه يؤثر فعل الخير، شاء له ذلك، ووفقه له، وهداه إليه.
والجواب عن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)، فمعناه: ليكون لهم في علم اللَّه عدوا وحزنا، لا أن كان الالتقاط منهم لذلك الوجه؛ بل لو علموا أنه يصير لهم عدوا وحزنا لم يلتقطوه، ولكنهم جهلوا ما ينتهي


الصفحة التالية
Icon