أفعال لكان يقع منها الإضلال؛ فنسب إليها الإضلال؛ للوجهين اللذين ذكرناهما؛ فكذلك النذارة أضيفت إلى النار هاهنا؛ لأنه عند ذكرها تقع النذارة؛ فأضيفت إليها لذلك.
أو خلقها على هيئة لو كانت من أهل النذارة، لكانت نذيرة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧):
قيل: هو على التهديد كقوله: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وذلك إنما يكون على إثر المبالغة في العظات، وتذكير عواقب الأمور، وقد بالغ في ذلك في هذه السورة وبين عواقب أمور العباد.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) قيل: أن يتقدم إلى طاعة اللَّه، أو يتأخر إلى معصية اللَّه تعالى.
والأصل: أن المرء جبل على حب المنافع لنفسه والخيرات، وعلى بغض الشر والمضار، ومن أحب شيئا طلبه، ومن أبغض شيئا اجتنبه، وهرب منه، وإذا طلب شيئًا تقدم إليه، وإذا هرب من شيء تأخر عنه؛ فكنى عن الطلب بالتقدم وعن الهروب بالتأخر؛ فقيل في تأويل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَتَقَدَّمَ) أي: إلى طاعة اللَّه، تجدي إليه المنافع في الآخرة، وتجلب إليه المحاسن أو يتأخر عن طاعته؛ إذ في الإعراض عن طاعته إيقاع النفس في المهالك وأنواع الشدائد.
وجائز أن يكون قوله: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)، معناه: يتقدم، ويتأخر بتخليق اللَّه تعالى فعل التقدم والتأخر منه؛ فيكون فعلا له وكسبا؛ لوجوده في حيز قدرته، وخلقا لله تعالى؛ فيكون مثل قولنا، لا حجة علينا، في إضافته التقدم والتأخر إلينا، والله الموفق.
* * *
قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ):
أصحاب اليمين هم الذين وصفهم اللَّه تعالى في موضع آخر في كتابه، وهو قوله - عز وجل -: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)، فاستثنى أصحاب اليمين من جملة


الصفحة التالية
Icon