والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن يكون القسم منصرفا إلى الحكمة التي توجب القول بالبعث؛ إذ قد بينا في غير موضع: أنه بالبعث ما خرج خلق هذا العالم مخرج الحكمة، ولولا البعث، لكان خلقه عبثا باطلا، كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، كأنه قال: لا أقسم بحكمته الداعية إلى كون القيامة كذا أن يكون كذا.
وجائز أن يكون القسم في الحقيقة بالدلائل والبراهين التي من تفكر وأمعن النظر فيها، حمله ذلك على القول بالبعث، وإذا كان محتملا صح القسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة؛ لأن التفكر في النفس اللوامة والاعتبار بها يدعو إلى القول بالبعث.
ثم العادة جرت على القسم بالأشياء التي عظم خطرها، وجل قدرها في القلوب؛ وجلالة خطرها يكون بأحد وجهين:
إما بما كثرت منافعها؛ فيكون خطرها مشاهدا معروفا.
أو بعظم خطرها بالدلائل والأخبار، فالسماوات والأرضون قد عرف الخلق جلالة أقدارهما بالعيان؛ بما كثرت منافع الخلق بهما.
وعظم يوم القيامة بما جل خطره في القلوب؛ وثبت القول بكونه بالدلالات والبراهين.
ثم قد وصفنا أن اللَّه - تعالى - أقسم بأشياء؛ لتأكيد ما يعرف بيانه ويجب القول به لولا القسم لو أمعن النظر فيه؛ وأعملت فيه الروية؛ لذلك استقام القسم بها، واللَّه أعلم.
واختلف في النفس اللوامة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: النفس اللوامة هي النفس الكافرة، تلوم ربها في الدنيا أبدا في تضييق العيش عليها، وتشكو ربها من الفقر والإقتار عليها، مع كثرة نعم اللَّه عليها وإحسانه إليها.
ومنهم من صرف التأويل إلى كل نفس مؤمنة كانت أو كافرة، فهي تلوم غيرها؛ لتعاطيها أشياء قد تعاطت نفسه مثلها، وامتحنت بها، والحق على كل أحد ألا يلوم أخاه بما تعاطى فعلا قد أتى هو ذلك الفعل بعينه أو مثله، ولكنها أنشئت كذلك لوامة، كما قال: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا).
ومنهم من ذكر أن هذا يكون في الآخرة، فالكافر إذا أيقن بالعذاب وما حل به من نقمة اللَّه تعالى ند على ما فرط في جنب اللَّه، وأدركته الحسرة؛ فعند ذلك يلوم نفسه،